للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[زوال موانع الجزية بعد انقضاء وقتها]

قال رحمه الله: [ومن صار أهلاً لها، أخذت منه في آخر الحول] (ومن صار أهلاً لها) تقدم من الذي تُضْرب عليه الجزية، ويبقى

السؤال

لو أن هؤلاء الصبيان والمجانين والفقراء زال عنهم الوصف أثناء الحول، وكما تقدم: الجزية تؤخذ كل سنة، ومن أهل العلم من يرى تقسيطها، والأقوى أنها تؤخذ كل سنة، وللعلماء وجهان في وقت أخذها: بعضهم يقول: تؤخذ معجَّلة، أي: يبرم معهم العقد، ثم تؤخذ قبل استتمام السنة، وهذا أقوى، ويدل عليه كتاب أبي عبيدة رضي الله عنه وأرضاه، حينما صالح في بداية الفتوحات في الشام.

ومن أهل العلم من يقول: تؤخذ في آخر السنة.

والأقوى هو القول الأول، لكن لو أننا أخذناها في بداية السنة، ثم بلغ الصبي واغتنى الفقير أثناء السنة، أو أفاق المجنون أثناء السنة، فما الحكم؟ قال بعض العلماء: زوال الموانع فيه تفصيل: فمثلاً: المجنون إذا كان يجن تارة ويفيق تارة: فمنهم من يقول: العبرة بأكثر الحول، فإن أفاق أكثر الحول أخذنا منه الجزية كلها، وإن كان يجن أكثر الحول، لا تؤخذ منه الجزية.

ومنهم من يقول: تقسط على حسب إفاقته.

وهذا هو الأقوى والصحيح، أنه ينظر إلى مدة إفاقته، وتقسط، وكذلك بالنسبة للصبي، فإذا بلغ -مثلاً- في الشهرين الأخيرين من السنة، فإنه يدفع قدر الشهرين، وإذا بلغ في منتصف السنة، أخذ منه نصف الجزية، وقِسْ على هذا.

إذاً: مسألة زوال الموانع يفصل فيها على حسب المدة التي يدركها بالأهلية، فالمدة التي يدركها بالأهلية يجب أخذ الجزية بحسابها وقدرها.

قال رحمه الله: [ومتى بذلوا الواجب عليهم لزم قبوله وحرم قتالهم] الجزية تتعلق بالآثار المترتبة على عقد الذمة، فمتى أعطوا الجزية لزم قبولها، أي: يجب على الإمام أن يقبل الجزية، وهناك قول شاذ يقول: إن للإمام أن يمتنع من أخذ الجزية، والصحيح الأول لحديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإن أعطوها فاقبلها منهم)، فأمره بقبول الجزية، فدل على وجوب قبولها حقناً لدماء من يُحقن دمه من أهل الكتاب.

فإذا أعطوها ما الذي يترتب عليه؟ قال رحمه الله: (ومتى بذلوا الواجب عليهم لَزِم قبولُه وحَرُم قتالُهم) (لَزِم قبولُه) هذا للوجوب.

(وحَرُم قتالُهم) حَرُم أن يقاتلوهم، وهذا في بداية الأمر.

تبقى الآثار المترتبة بعد ذلك، وهذه لها تفصيلات سيذكرها المصنف -رحمه الله- فيما بعد.

فتقرر أن الجزية يلزم الإمام قبولها إذا عُرِضت عليه من أهل الذمة، ولا يجوز أن يقاتلهم وقد أدوا الجزية؛ لثبوت النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>