للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تجسس الذمي أو إيواؤه الجواسيس ينقض عهده]

قال رحمه الله: [أو تجسَّسَ أو آوى جاسوساً] (تجسَّسَ) أي: تتبَّعَ أخبار المسلمين، فكان عيناً للكفار على المسلمين، وهذا فيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي داود وغيره، أنه لما جلس مع أصحابه، فجاء عين من المشركين، فجلس يسترق الحديث، ثم قام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أطلبوه واقتلوه) فأمرهم بطلبه وقتله، فإذا ثبت عليه ذلك، يصبح ضرراً على الإسلام والمسلمين، ويكون قد أراد بعهده وذمته خديعة الإسلام والمسلمين، فيؤاخذ بذلك.

وهكذا إذا آوى العين أو الجاسوس؛ فإنه يؤاخذ على ذلك، ويكون حكمه كحكم الأول.

(أو ذكر الله أو رسوله أو كتابه بسوء) كأن يسب الله -والعياذ بالله- أو يسب الإسلام، أو يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه كلها ينتقض بها عهدُه، على أصح قولي العلماء، وهما: الأول: قول الجمهور: يرون أنه إذا سب الله وسب الإسلام وسب المسلمين، أي: سب دينهم وقصد بذلك المساس بالدين وعقيدة المسلمين، فإن هذا يوجب انتقاض العهد بينه وبين المسلمين.

الثاني: وقول الإمام أبو حنيفة: لا ينتقض عهده؛ لأنه كافر، وليس بعد الكفر ذنب، فإذا كان من حيث الأصل يعتقد التثليث ويعتقد أن عيسى ابن لله، فإن هذا لا يمنع أن يُتْرَك على ما يعتقده من الكفر.

والصحيح: مذهب جمهور العلماء، أنه إذا فعل هذه الأمور فإنه ينتقض عهده؛ لأن هناك فرقاً بين دينه الذي ورد الشرع باستثنائه، وبين غيره الباقي على أصل العموم؛ مع أن الأصل أنه يؤاخذ على الكل؛ لكن جاء الاستثناء في دينه وما يعتقده مما فيه شبهة الكتاب، لوجود التحريف في كتبهم، ويبقى ما عداه على الأصل من المؤاخذة.

(انتقض عهدُه دون نسائه وأولاده): (انتقض عهدُه) أي: أصبح لا ذمة له.

(دون نسائه وأولاده): وهذا من عدل الإسلام، والإسلام دين عدل ودين رحمة، فلم يؤاخذ أولاده وذريته ونساءه بما فعل من جريمة: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:١٦٤] فلذلك يقولون: ينتقض عهده، وأما أولاده وذريته فإن بقوا بين المسلمين ورضوا أن يبقوا بينهم فبها وأنعِمْ، وإن لم يبقوا بين المسلمين فحينئذ يُخرَجون إلى ديار الكفر ولا تبقى لهم ذمة ولا يبقى لهم عهد.

فكونه يُقْدِم على هذه الأمور التي فيها إضرار بالإسلام والمسلمين، هذا موجب لزوال العهد وانتقاضه فيما بينه وبين المسلمين.

(وحَلَّ دمُه) أي: أن الإمام يقتله؛ لأنه أصبح كافراً حربياً، إعمالاً للأصل، وإنما أُمِّن لوجود الذمة، فإذا تسبب في إزالة الذمة عن نفسه فقد خُفِر دمُه، وعاد إلى الأصل الموجب لحل سفك دمه، فيفعل به الإمام ما يرى فيه النكال به وبمن على شاكلته من أهل الكفر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>