للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الغاية في خيار الشرط]

قال رحمه الله: [وإلى الغد أو الليل يسقط بأوله]: بعد أن بين رحمه الله برحمته الواسعة، أن خيار الشرط يقع في المدد، كقولك: ثلاثة أيام، أربعة أيام، شرع في بيان مسائل فرعية وهي إذا قال: إلى الليل، أو إلى يوم كذا، فهل العبرة بالغاية؟ أم العبرة بما بعد الغاية؟ فالأصل يقتضي أن الغاية لا تدخل في المغيا، إلا إذا كانت من جنسه، وهذا الأصل فيه خلاف بين العلماء، فمثلاً: حينما ننظر إلى الشرع يحد الأشياء بغايات، كقوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:٦] وكقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:١٨٧].

فقوله: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:٦] هل المراد أن نغسل إلى ما قبل المرفق ويعتبر المرفق غير داخل في الحد، أم أن الغاية تدخل في المغيا، فيجب غسل المرفق؟ فالذي عليه المحققون أن الغاية تنقسم إلى قسمين: أن تكون من جنس المغيا.

أو تكون من غير جنسه.

فإن كانت من جنسه دخلت، وإن كانت من غير جنسه لم تدخل، فلما كان المرفق من جنس اليد دخل، ولكن لما قال: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:١٨٧] وكان الليل ليس من جنس النهار، لم يدخل ولم يجب الصيام إلى الليل، وعلى هذا قالوا: إذا قال له: إلى الليل أو إلى الغد، انقطع الخيار بأول الليل وأول الغد.

وبعض العلماء يرى أن إذا قال: إلى الليل أن يلزمه إلى صبيحة اليوم الذي يليه، فينتظر إلى انتهاء الليل لانتهاء الغاية، وإذا قال: إلى الغد، فإنه ينتظر إلى غروب الشمس، وليس إلى طلوع شمس الغد، والصحيح ما ذكرناه.

فالقاعدة: أن الغاية إذا كانت من جنس المغيا دخلت، وإذا لم تكن من جنسه لم تدخل؛ لأن الأصل في الغايات أن لها مفاهيم، ولذلك ما بعد الغاية يخالف ما قبله في الحكم، وهذا ألفناه من الشرع، فمثلاً في حديث ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه، قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها)؛ فقوله: (حتى يبدو) غاية في النهي، أي: حرمنا عليكم بيع الثمرة إلى الغاية، وهي بدو الصلاح، ففهمنا أن الغاية لا تدخل في المغيا، وقد ذكر علماء الأصول: أن من أنواع المفاهيم مفهوم الغاية، فقالوا: إن تحديد الشرع شيئاً بغاية يدل على أن ما بعد الغاية يخالف ما قبلها في الحكم.

قال رحمه الله: [ولمن له الخيار الفسخ، ولو مع غيبة الآخر وسخطه]: أي: من اشترط وقال: لي الخيار ثلاثة أيام، فله الحق أن يفسخ في أي وقت، ما دام أنه في مدة الخيار، فإذا انتهت مدة الخيار فقد انقطع هذا الحق، فإذا جئت خلال ثلاثة أيام، وقلت: لا أريد، فذلك من حقك، حتى ولو لم تذكر سبباً ما دام أنك حددت بالزمان.

وقوله: (ولو مع غيبة الآخر وسخطه) أي: يستوي إذا كان الآخر حاضراً أو غائباً، فمثلاً: لو أني اشتريت منك سيارة بعشرة آلاف وقلت لك: لي الخيار ثلاثة أيام، مثلاً: السبت والأحد والإثنين، ففي يوم السبت اخترت أنني لا أريد الشراء، فلا يلزمني أن أبحث عنك، حتى أقول لك: لا أريد، بل يكفي أن أشهد عدلين على أني لا أريد الصفقة، فإذا قلت لي بعد ذلك: لا ألغيها لأنك ما جئتني، فحينئذ أرفعك إلى القاضي وأقيم البينة بالشاهدين العدلين على أني أسقطت هذا البيع ولم أوجبه، أو أني فسخته، فيحكم القاضي بذلك.

ثم قوله: (ولمن له الخيار الفسخ) أي: سواءً الطرفان أو أحدهما.

وقوله: (ولو مع غيبة الآخر) أي: لا يشترط في الفسخ أن يكون حاضراً.

وقوله: (وسخطه) أي: قلت له: خلال الثلاثة أيام لا أريد هذه الصفقة، فقال: بل تلزمك، فتقول: لكني قد اشترطت الخيار، فقال: لا أرضى.

فنقول له: يلزمك أن تفسخ العقد ولو كنت ساخطاً.

فلا يشترط رضا الآخر؛ لأن هذا هو المقصود من الشرط: أن يكون لي الخيار تاماً، فسواء رضي أو لم يرض وسواء حضر أو لم يحضر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>