للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم إنقاص المشتري من الثمن المتفق عليه]

السؤال

رجل اشترى سلعة فاتفق مع البائع على ألف ريال، لكنه لما أعطاه المال أعطاه تسعمائة وخمسين ريالاً فقط فوافق البائع، فهل يجوز هذا؟

الجواب

إذا اشتريت بألف ريال ثم جئت، وقلت له: أعطيك تسعمائة وخمسين ريالاً ورضي البائع جاز، والرضا ينقسم إلى أقسام: ١ - الرضا بطيب نفس ورضا خاطر، كأن تأتي تريد أن تعطي المال، فلما وصلت إلى تسعمائة وخمسين وأردت أن تخرج الخمسين، فقال لك: لا.

هذه تكفي، وهذا يقع بين الأحبة والإخوان، وتعلم من دلائل الحال وبساط المجلس ما يدل على أنه يريد ذلك.

٢ - الرضا الممكن الذي يكون على حد سواء، مثل: شخص تأتي وتبيع عليه بألف، فإذا جاء أعطاك تسعمائة وخمسين، فقلت له: يا أخي! أعطني خمسين، فقال: سامحني، فنقول: يا أخي! أعطني حقي! قال: سامحني، فتطالبه، وإذا بك ترى أنك تزري بنفسك، وربما يكون بين أُناسٍ تستحيي أن تطالبه أمامهم، فتضطر أن تقول له: اذهب، فكأنك اضطررت غلى مسامحته، فتقول بلسان الحال: وما حيلة المضطر إلا ركوبها! فهذا المأخوذ بسيف الحياء لا خير فيه ولا بركة فيه، ومثل هذا ينزع الله البركة له من الصفقة؛ لأنه لم يأخذ بالسماحة، وإنما أخذ بالأذية وإحراج الناس، ومثل هذا ما يقع في فضول أموال الناس، كأن يأتي لبائع يبيع الطعام، فيقول له: بكم هذا؟ ويلتقط منه ويأكل دون أن يستأذن، وربما أنه أكل الشيء، فلا يستطيع البائع أن يقول له: يا أخي! لا تأكل.

فمثل هذه الأشياء ينبغي اتقاؤها، وهي إلى التحريم أقرب إن عُلم أو غلب على الظن أن البائع لا يرضى، ولابد أن يتحرى في رضاه، وأن يعلم منه طيبة النفس ورضا الخاطر، فإذا غلب على ظنك أنه بطيبة نفسه ورضا خاطره فلا بأس، وإن كان الأفضل والأكمل العفة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ومن يستعفف يعفه الله وما أعطي عبد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر) فالقناعة بما أعطى الله عز وجل خير للعبد، فإذا جاء أحد يستفضل عليك، قلت له: لا، هذا حقك خذه كاملاً، وبارك الله لك في مالك، فهذا هو الأفضل والأكمل للمسلم، أن يعامل الناس ويؤدي حقوقهم إليهم كاملة.

وأما إذا كان بسيف الحياء أو يكون البائع غريباً أو عاملاً مستضعفاً، فيأتي ويقف يصيح عليه بقوة ويرعبه ويزعجه، فإذا جاء وقت المطالبة أعطاه المال ناقصاً ثم زجر بقوة فاضطر العامل أن يسكت، فإن هذا من الظلم وأكل أموال الناس بالباطل، وهذا الرضا وجوده وعدمه على حد سواء، فينبغي أن يُتقى في مثل هذا، وأن يفصل فيه، فما كان من الرضا مستوفياً بالصفات المعتبرة حكم به وإلا فلا، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>