للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نماء الرهن وكسبه وأرش الجناية عليه]

قال رحمه الله: [ونماء الرهن وكسبه وأرش الجناية عليه ملحق به].

بعد أن بين المصنف رحمه الله المسائل المتقدمة في الرهن، شَرَع في مسألة نماء الرهن.

ومن المعلوم أن الرهن تارةً يزيد وتارة ينقص، فإذا رهن الشيء وهو على صفة، ثم زاد أثناء مدة الرهن، فهل الزيادة تكون للمالك الحقيقي أو تكون تابعة للرهن، أم أن هناك تفصيلاً في المسألة؟ من أهل العلم من قال: كل زيادة في الرهن تُعتبر تابعة للرهن، وهذا مذهب الجمهور من حيث الجملة.

والزيادة تنقسم إلى قسمين: زيادة متصلة، وزيادة منفصلة.

فالزيادة المتصلة: مثل أن يعطيه بعيراً ويكون نحيفاً ثم يصير سميناً، وتصير حالته أفضل من حالته حينما وضعه عند الرهن، أو يعطيه الرهن وهو بحالةٍ ضعيفة، كأن يكون مريضاً، فيصبح صحيحاً، ونحو ذلك من الزيادات المتصلة بالرهن.

وأما الزيادة المنفصلة: مثل أن يعطيه ناقة، ثم ظهر بها حمل، فولدت، فهل الولد يتبع الأم أو لا يتبعه؟ أو رهن عنده بستانه سنتين، وللبستان ثمرة، وهذه الثمرة هل تتبع قيمتها البستان فتكون رهناً، أو لا تتبع خلال السنتين؛ لأن البستان نفسه مرهون، وثمرة البستان خلال السنة قيمتها مائتا ألف مثلاً، فخلال السنتين ستكون أربعمائة ألف، فهل نقول: الأربعمائة ألف تُوقف ويمنع صاحب البستان منها، وتكون تابعة للبستان في الرهن؛ حتى يأتي وقت السداد، فإن شاء سدّد وإلا أُخِذ من الرهن على قدر الدين؟ من أهل العلم من قال -كما ذكرنا-: إن الزيادة من حيث الجملة تكون تابعة، وبعضهم يرى أن الزيادة المتصلة تتبع، والزيادة المنفصلة لا تتبع.

ومن حيث الأصول فإن الأشبه والأقوى أن الزيادة تابعة لأصلها؛ لأنه لما رهنه رهنه على جهة الاستحقاق والاستيثاق، وأصول الشريعة تدل على أن الفرع تابعٌ لأصله، فلو قلنا: إنها لا تتبع، فهذا يُشكل وتنبني عليه مسائل أُخر في أبواب أخرى، وتنخرم القاعدة، فالأصل الشرعي أن هذه الرقبة صلاحها وفسادها مرهون إلى أن يأتي وقت السداد، ويُتوصل عن طريقها إلى الحق، فإذا جاء وقت السداد وسدد للناس حقوقهم وإلا أُخذ منها، ونحن لا نظلمه، فإن ماله مردودٌ عليه، له حقُّه الذي في الرقبة، سواءً كان زائداً في الرقبة أو في النماء الموجود فيها.

وعلى هذا: فإن إبقاء النماء والزيادة تابعة للأصل هو الأشبه والأقعد والأقيس والأقرب للأصول، فلمّا لم يرد دليل يستثني أولاد الأمهات، إذا رهن الأرقاء، ولا أولاد البهائم، وقد عُلم أن البهائم تكون رهناً، فلمّا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استثناء للفروع والنماء، دلّ على أنها باقية وتابعة لأصولها، وعلى هذا يُقال: إنه ينبغي إبقاء هذا النماء تابعاً لأصله.

لكن لو كان هذا النماء لا يمكن حبسه، ويُحتاج إلى بيعه، مثل ثمرة البستان، كما لو أخذت ديناً مائة ألف، وقلت: سأسددها بعد خمس سنوات، وهذا البستان رهنٌ عندك، فإنك إذا رهنت البستان، فالثمرة خلال خمس سنوات لا يمكن أن نبقيها في النخلة؛ لأن بقاءها في النخلة ضرر وإفساد لها في بعض الأحوال، وبناءً على ذلك نقول: من حق صاحب البستان أن يقطعها ويبيعها؛ ولكن يُطالب بجعل القيمة مرهونة، هذا إذا كان النماء لا يمكن إبقاؤه، كثمرة البستان، فإنه لا يمكن أن تبقى إلى وقت السداد، فتؤخذ قيمتها مكانها، أما لو أمكن بقاؤها كأولاد البهائم، وأولاد الأمهات إذا رهن الأرقاء، فإنها تبقى على حالها ولا يُتصرَّف فيها، كما لا يُتصرف بالأصول والأمهات.

وقوله: (وكسبه) أي: كسب الرهن، فلو أن رجلاً استدان منك ألف ريال، وقال لك: أعطني ألف ريال إلى نهاية السنة، فقلت له: أريد رهناً، فقال: ما عندي رهن إلا ناقتي، أو ما عندي رهن إلا سيارتي، أو ما عندي رهن إلا هذه الشاة، فرهن الشاة أو الناقة وقيمتها ثمانمائة ريال، فلمّا مضت الأيام أصبحت قيمتها ألفين، فجاءك وقال لك: أنا أعطيتك هذا الرهن وقيمته ثمانمائة ريال، وسأُعطيك بدلاً عنه رهناً بقيمته، فنقول له: لا، بل يبقى ويكون الكسب تابعاً للرهن أيضاً، ويبقى مضموناً إلى أن يأتي وقت السداد، فإن سددت فالحمد لله، وإن لم تسدد فلن نأخذ منك إلا قدر الدين الذي عليك.

إذاً: النماء والكسب التي يكون في الرهن، كزيادة قيمته، أو يكون له منافع كرقيق، فقد كانوا في القديم يضعون العبد رهناً، فإذا كان العبد صاحب حرفة، ويريد أن يتكسب، فهذا الكسب تابعٌ للرهن.

وعلى هذا قالوا: نماء الرهن وكسبه ملحق به.

وقوله: (وأرش الجناية عليه ملحق به)، مثال أرش الجناية في القديم والجديد: في القديم يمثلون بالرقيق أو الدابة: فلو أن رجلاً جاءك وأعطاك ناقته، وقال: هذه الناقة رهنٌ عندك لقاء ألف ريال، ثم إن هذه الناقة جنى عليها إنسان، فأتلف يدها، وأُعطي لقاء التلف الموجود فيها خمسمائة ريال التي هي أرش الجناية، فأصبح هناك ناقة وأرش جناية عليها، فالأرش يُحبس مع الناقة.

وفي الجديد نمثل بمثال معاصر: لو أن رجلاً قال لك: أعطني عشرة آلاف ريال ديناً، فقلت له: أعطني رهناً، فقال: أُعطيك سيارتي رهناً، فقلت له: قبلت، فوُضِعت السيارة أمام بيتك، في مكان محفوظ، فجاء شخص، وضرب السيارة بسيارته، وهذا التلف الذي أصاب السيارة قدِّر بثلاثة آلاف ريال، أرش جناية، فدُفِعت الثلاثة الآلاف، فنقول: هذا الأرش يكون تابعاً للرهن، ويبقى الأرش محبوساً مع السيارة حتى يأتي وقت السداد ويُحكم فيه.

هذا هو معنى قوله: (أرش الجناية عليه).

<<  <  ج:
ص:  >  >>