للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الخلاف في نقض الوضوء بلمس المرأة]

قال رحمه الله: [ومسه امرأة بشهوة] أي: ومن نواقض الوضوء أن يمس الرجل المرأة بشهوة، وقد اختلف العلماء -رحمهم الله- في هذه المسألة: فمنهم من قال: لمس النساء كله ينقض الوضوء، سواءً كانت محرماً أو غير محرم، وسواءً وجد الشهوة أو لم يجد الشهوة، وصاحب هذا القول احتج بظاهر قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء:٤٣] قالوا: إن الله عز وجل حكم بانتقاض الوضوء بلمس النساء.

وقالت طائفة من العلماء: إن لمس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً؛ وذلك لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يصلي بالليل وعائشة رضي الله عنها معترضة بين يديه، قالت: فإذا سجد غمزني) ولما ثبت أيضاً في الحديث الصحيح أنها قالت: (افتقدت النبي صلى الله عليه وسلم فجالت يدي فوقعت على قدمه وهو ساجد، يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) قالوا: فهذا يدل على أن لمسها له ولمسه لها لا يوجب انتقاض الوضوء؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حمل أمامة بنت أبي العاص في الصلاة وهي في حكم المرأة، فكان إذا أراد أن يسجد وضعها، وإذا أراد أن يرفع حَمَلَها وَرَفَعَها قالوا: ولم ينتقض وضوءه، ولما جاء عنه عليه الصلاة والسلام من تقبيله بعض نسائه قبل خروجه إلى الصلاة، كما في حديث عائشة، واختلف في إسناده، قالوا: فمجموع هذه النصوص يدل على أن لمس النساء لا يوجب انتقاض الوضوء.

وجمع بعض العلماء بين القولين فقالوا: إن لمس النساء يوجب انتقاض الوضوء، إذا وجد الشهوة أو قصدها، ولا يوجب انتقاض الوضوء إذا لم يجد الشهوة وهذا هو الأقوى، ولذلك يحمل قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء:٤٣] على الجماع، والسباق والسياق محكم، وسباق الآية وسياقها يدل على أن المراد بـ (لامَسْتُمُ): الجماع؛ للقاعدة في اللغة: زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى؛ ولأن السُّنة تصرف (لامَسْتُمُ) من ظاهرها إلى هذا المعنى الذي يقويه السياق والسباق مع قرينة اللغة.

إذاً لمس المرأة فيه تفصيل: إنْ لَمَسَ المرأة فوجد الشهوة انتقض وضوءُه، وإن لمس المرأة ولم يجد الشهوة لم ينتقض وضوءه، وبناءً على ذلك قالوا: وجود الشهوة والإحساس بها مظنة الحدث، فينزل منزلة الحدث.

وفرَّع بعض العلماء على هذا تفريعات، ولكن لا يقوى الدليل عليها، كقول بعضهم: إن مجرد النظر إلى المرأة -كزوجته- بشهوة ينقض الوضوء، بل هناك قول بأن النظر إلى الأمرد بشهوة يوجب انتقاض الوضوء، والحقيقة أن هذا محل نظر، والصحيح والأقوى أن العبرة بالانتقاض المؤثر، أو ما هو قريب من المؤثر لظاهر السُّنة: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) فنبقى على الأصل من طهارته، وأما مظنات الحدث الضعيفة فإنه لا يقوى اعتبارها، وإن احتاط الإنسان بالوضوء فهو أولى.

أي: على الوجه الذي ذكرناه، فإذا مسته المرأة بشهوة فإنه يحكم بانتقاض وضوئها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>