للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم التصرف في الأمانات]

السؤال

مَن وُضِعت عنده أمانة فتعدّى، هل يأثم بذلك مع العلم بأنه قادر على أن ينقد المبلغ إذا طالب به صاحبه أثابكم الله؟

الجواب

الأمانة أمرُها عظيم، وخطبها جسيم، يفر منها الصالحون، ولا يحفظها إلا الأخيار المتّقون، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في الصحيحين: (فإذا ضُرِب الصراط على متن جهنم قامت الأمانة والرحم على جنبتي الصراط).

فقد يمكن أن يُكردس العبد في نار جهنم بأمانة خانها، أو برحمٍ قطعها، ولذلك بعض العلماء لما قرأ هذا الحديث قال: أخاف على المسلم من خيانة الأمانات وقطع الأرحام، ويقول: ما أظنه ينجو من الصراط؛ لأنه قال: (قامت الأمانة والرحم على جنبتي الصراط، وإنها تتمثل لصاحبها يوم القيامة، فإذا جاء يأخذها هوت به في نار جهنم، فلا يزال يطلبها على قدر ما ضيّع من حقوقها)، فالأمانة أمرُها عظيم، فإذا اؤتُمِنت على شيءٍ فانظر رحمك الله! إن قدرت على أن تحفظه وتقوم عليه وتصونه فالحمد لله، وأنت مأجورٌ غير مأزور، خاصة إذا كان أخوك محتاجاً إلى حفظك ورعايتك، تفرِّج كربته، وتُحسن إليه، والله يثيبك على هذا، أما إذا علمت أن نفسك ضعيفة، فإياك إياك! خاصة في الأمانات التي تكون للضعفاء والفقراء، مثل: أموال الزكوات، والتبرعات، فإن هذه أمرها عظيم؛ لأنهم سيكونون خصومك بين يدي الله عز وجل، في توزيعها والقيام عليها، فلا تتقحّم هذا الشيء إلا وأنت متمكِّن من أداء الحق على وجهه، فكما أن في هذا العمل الثواب العظيم والأجر الكبير، ففي التفريط فيه الإثم الكبير.

والإنسان الذي يحتاط لدينه إذا جاء لأمانة في الزكوات فيكتب أسماء المستحقين، ويأتي إلى المزكي ويقول: عندي ثلاث أسر أربع أسر خمس أسر؛ لأنه سيتحمل بين يدي الله عز وجل في عدم صرفها، كأن يُبقيها عنده، فربما تأخر في صرفها وجاءت دواخل النفس، وليس هناك فتنة مثل المال والنساء، فهاتان الفتنتان من أعظم الفتن.

فإذا اؤتمِنت على المال، فليكن على قدر ما تستطيع، فالنفس أمارة بالسوء، فلا تتحمل أمانة أحد من الأموال؛ لأن النفس ضعيفة، وعلى هذا ينبغي للمسلم أن لا يدخل نفسه في مقام الأمانات إلا إذا وثِق من نفسه، فإذا وضع شخص عندك أمانة كالمال مثلاً، فعليك أن تقول له -إن كنت محتاجاً-: أنا أحتاج هذا المال، ولا أريد أن أخون، ولا أريد أن أضيِّع، ولا أريد أن أبدِّل أمانتي، إنما أريد أن أكون من أهل الجنة، وممن غفر الله لهم، فكانوا لأماناتهم حافظين، فإن قال: قد أذنت لك أن تتصرّف فيها، فلا بأس، أما إذا قال لك: لا آذن، فحينئذٍ تحفظها يرحمك الله! أو تردّها إليه.

وعلى هذا فلا يجوز التصرُّف في الأمانات إلا بإذن أهلها، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>