للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حكم شراء السلعة وجعلها رهناً لقاء قيمتها عند بائعها

السؤال

ما الحكم لو بعته سيارة بالتقسيط على أن يعطيني رهناً، فرهنني السيارة نفسها، وأذِنت له في التصرُّف على أن لا يبيعها حتى ينتهي السداد أثابكم الله؟

الجواب

باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فإن هذا النوع من البيوع فيه شبهة، وعلى هذا يُقال: إن الرهن وقع على نفس المبيع، وحينئذٍ لم يكن على سنَن الرهن المعروف شرعاً؛ لأن الأصل في الرهن أن يكون بعينٍ يُستوثق بها لقاء الدين، وأن تكون هذه العين منفكة عن أصل التعاقد؛ لأن المقصود من الرهن إمضاء العقد الأصلي، وعلى هذا فإنه يقوم بإلغاء العقد الأصلي، فهو إذا باعه السيارة، وجعل السيارة نفسها رهناً، فإن معنى ذلك: أنه سيُبقي هذه السلعة معه، وإذا تم الأجل وعجز عن السداد ستُباع، وإذا بيعَت فلا شك أنها ستكون أنقص قيمة، ولم يستفد المشتري من السلعة، فيكون قد اشترى العاجل بالآجل مع التفاضل.

والشبهة في هذا ظاهرة.

فالمقصود من الرهن إمضاء العقد الأصلي، وأن يُعطى الرهن من أجل أن تتم الصفقة الأولى، فإذا صارت الصفقة نفسها هي الرهن، فحينئذٍ خالفت المقصود من الرهن، ولذلك فأصل الرهن إمضاء التجارات.

وأكثر توضيحاً نقول: إذا قال له: أبيعك هذا البيت بمليون مثلاً، على أن تدع البيت رهناً عندي، فإنه في هذه الحالة إذا قال له: على أن تسدِّد المليون في نهاية السنة، فإذا لم تسدد سأبيع البيت ثم أسدد وتدفع الناقص، فإذا تم البيع فلن يستطيع أخذ السلعة، ولن يستطيع إمضاء العقد الأصلي، والرهن أصلاً لإمضاء العقد الأصلي، فيبقى البيع نفسه الذي من أجله شُرع الرهن لإتمامه معطلاً بالرهن، أي: أُدخِل الرهن لنقضه خاصة عند العجز عن السداد؛ لأن الإشكال كله عند العجز عن السداد، فإذا حضر نهاية السنة فإنه سيُباع البيت بتسعمائة ألف، فيكون حينئذٍ أوجب عليه (المليون) السابقة، ثم أخذ لقاءها تسعمائة ألف، وخرج الرجل بلا شيء؛ لأنه لا يستطيع أن يؤجر البيت، ولا يستطيع أن ينتفع به طيلة المدة كلها، فصار كالعقوبة عليه لعدم السداد، ثم يلزم بدفع مائة ألف لأجلٍ، وغالباً أن السلعة إذا رُهِنت على هذا الوجه أنها تنقص قيمتها، ولا تبقى على نفس القيمة، فالشبهة في هذا واضحة.

وخلاصة الأمر: أن الله عز وجل إنما شرع الرهن من أجل أن يكون هذا إبقاءً وإنفاذاً للعقد الأصلي الذي هو البيع، فإذا اشترى منه سيارة ورهنه داراً، فإن معنى ذلك: أن الدار هذه جُعِلت من أجل إن عجز عن سداد قيمة السيارة، تُسدَّد القيمة من الدار فيتم البيع الأول، فكأن مقصود الشرع أن يتم البيع الأول.

فإذا أدخل صورة الرهن بشكل يخالف مقصود الشرع من مشروعيته، فإن هذا ليس على سنَن الرهن المعتبر.

وعلى هذا لا يصح أن يكون الشيء مبيعاً مرهوناً، وإنما يكون الرهن بشيءٍ يستوثق به لإتمام الصفقة الأولى، ويدخله شبهة ما ذكرناه من بيع الآجل بالعاجل، على وجهٍ فيه ظلمٌ للمشتري؛ لأنه يمنع من الانتفاع بالسلعة، والأصل أنه إذا اشترى السلعة فمن حقه أن يتصرف فيها.

فلو قال له: أبيعك هذه الأرض على أن لا تؤجرها لأحد، وعلى أن لا تبيعها لأحد، فكل هذا يخالف مقتضى الشرع، فالمؤقت بالممنوع كالمطلق به، فهو إذا أقّت الممنوع وقال: لا تبيعه مدة كذا، فإن هذا يخالف مقصود الشرع من كونه إذا اشترى الشيء كان حر التصرف فيه، وعلى هذا فالأظهر عدم صحة هذا النوع من الرهون، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>