للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[معنى قول العلماء: جواز التصرف وصحة التصرف]

ترد كلمتان عند العلماء وهما: جواز التصرف وصحة التصرف، فما معنى جواز التصرف وصحة التصرف؟ كثيراً ما ترد هذه الكلمة خاصة في باب المعاملات.

التصرف: بذل الشيء وإعطاء الشيء، وتصرّفك في الشيء يكون إما ببذل عين الشيء، أو يبذل منافعه.

أما بذل عين الشيء فهو على حالتين: إما أن تبذله بعوض، كأن تقول: أعطيك هذه السيارة بعشرة آلاف فهذا بيع.

وإما أن تبذلها بدون عوض على قصد مرضاة الله عز وجل فهذه صدقة، كأن تقول: هذا الطعام لك، فتكون قد بذلته بدون عوض.

وإما على سبيل المحبة، فهذه هدية.

أما بذل منفعة العين، فلا تخلو من حالتين: إما أن تبذلها بعوض، كأن تقول: أجرّتك داري، فهذه إجارة، أو تبذل المنفعة بدون عوض، كأن تقول: خذ سيارتي واقض بها غرضك، فهذه عارية.

فهذه كلها تصرفات: بعضها تصرفات في الأعيان، وبعضها تصرفات في المنافع، فإذا قال العلماء: لا يصح إلا من جائز التصرف، أي: لا تصح الكفالة إلا من شخص تجوز تصرّفاته المالية، فالناس على قسمين: منهم من أجاز الله تصرفاته المالية، فيبيع ويشتري ويتصدق، ولا أحد يعترض عليه، وهذا هو البالغ العاقل الرشيد غير المحجور عليه.

فالبالغ: يخرج الصبي، فالصبي لو جاء وأعطاك ألف ريال هبة منه لا تصح؛ لأنه محجورٌ عليه، والله تعالى يقول: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء:٥]، وقال: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء:٦]، فأمرنا بالحجر على الأيتام، واليتيم: هو الذي لم يبلغ، فدل على أنه لو تصرف اليتيم كأن تصدق بماله، أو وهبه وأعطاه للغير لم تصح هبته ولا صدقته ولا تبرعه.

العاقل: فيخرج بذلك المجنون، فلو جاء مجنون نقول: إن المجنون لا تصح تصرفاته كما لو باع أو اشترى.

الرشيد: فيخرج بذلك السفيه المحجور عليه، فإن السفيه المحجور عليه في حكم المجنون واليتيم؛ لأنه محجور عليه لحق نفسه، والمحجور عليه يشمل المفلس، على خلافٍ في المفلس هل يكفل أو لا يكفل.

توضيح هذه المسألة: فلو كنت قاضياً أو مفتياً وجاءك رجل وقال: فلانٌ يريد أن يكفل فلاناً، فعليك أن تسأل أهذا الكفيل بالغ؟ فإن قالوا: نعم، تقول: يصح، وإن قالوا: ليس ببالغ، بل هو صبي، تقول: الصبي لا يكفل؛ لأنه ليس له حق التصرف في ماله إلا بإذن وليه، وأنتم تعلمون أن الكفالة فيها شيء من التبرع، لأنك حينما تكفل رجلاً بعشرة آلاف ريال، فمعناه أنك ستدفع هذا المبلغ إذا عجز عن السداد، والصبيان والمحجور عليهم لا يصح تبرعهم، كما سيأتي إن شاء الله، فإذن لابد وأن يكون بالغاً، وأن يكون عاقلاً، فلو أن رجلاً مجنوناً سكران، أو خدره رجل، فجاء وكفل إنساناً، وثبت عند القاضي أنه كفل في حال جنونه أو سكره، أو حال كونه مخدراً، فكل ذلك لا يصح فيه الضمان؛ لأن من شرط صحة الضمان أن يكون الضمين وأن يكون الكفيل بالغاً عاقلاً رشيداً غير محجورٍ عليه.

هذا بالنسبة للشخص الذي يكفل، فإذا توفرت الشروط فكان رجلاً بالغاً عاقلاً رشيداً غير محجور عليه، فمعناه أنه يدخل على الكفالة بأهلية، وهذه الأهلية تجعله ينظر بها إلى المصالح والمفاسد، فإن علم من نفسه أنه يقدر على تحمل هذه الكفالة أقدم عليها، وإن علم من نفسه أنه لا يستطيع تحمّلها أحجم عنها، فإذن لابد وأن تكون عنده الأهلية التي لا يدخل بها الضرر على نفسه وأهله؛ لأنه لو تحمّل حمالة وكفالة لا يطيقها لربما أضر بأولاده، فلو رأيت رجلاً قليل المال تحمّل كفالة بعشرة آلاف، وهو ليس عنده دخل، ولا يستطيع أن يسدد المبلغ كاملاً، فمعنى ذلك أنه إذا تحمل العشرة آلاف فسيغرم، وحينئذٍ يتعرّض أولاده وأهله للضرر، وهذا لا شك أن فيه مفاسد، والشريعة جاءت بدفع المفاسد وجلب المصالح.

وعلى هذا قالوا: يشترط في جواز الكفالة أن تكون من شخصٍ صحيح التصرف، أو جائز التصرف والمعنى واحد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>