للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أقسام الصلح]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد: فقد تقدم معنا في المجلس الماضي بيان المقدمات المتعلقة بباب الصلح، وذكرنا حقيقة الصلح في لغة العرب، وحقيقته عند العلماء رحمهم الله، وكذلك بيّنا دليل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على مشروعية الصلح، وأنه من أحب الأعمال إلى الله عز وجل خاصة إذا كان بين الأقرباء، واشتمل على صلة الرحم ونحو ذلك من المصالح العظيمة التي قصد الشرع تحقيقها.

وبيّنا في المجلس الماضي ما ينبغي على من أراد أن يدخل في الصلح من مراعاة حال الخصمين وإنصافهما، وحث صاحب الحق على التنازل عن حقه شريطة أن لا يوجد شيء من الإحراج والإضرار به.

وبعد هذا ينبغي بيان جملة من المسائل والأحكام المتعلقة بهذا الباب الذي يحتاجه الناس في كثيرٍ من أحوالهم وشئونهم، والفقهاء رحمهم الله اعتنوا ببيان المسائل المتعلقة بالصلح؛ لأن الكتاب والسنة اعتنى كل منهما ببيان الأصول العامة، وفرّع الفقهاء والعلماء على هذه الأصول المسائل والأحكام.

وعند النظر في الصلح ينبغي أن ينتبه إلى أن الصلح في الأصل إنما يقوم على الخصومة، وبناءً على ذلك فلا بد من وجود طرفين، أحدهما: مدعٍ، والثاني: مدعى عليه، وتقع الخصومة في شيء من الحقوق، وقد تكون من الحقوق الحسية المادية، كالحقوق المتعلقة بالأموال، وقد تكون الخصومة في أمور اعتبارية كحقوق الأعراض ونحوها.

وإذا ثبت هذا فمعناه أنه لا بد من وجود دعوى بين الطرفين، وهذا ما يقع في حال الخصومة، فقسّم العلماء رحمهم الله باب الصلح إلى جزئيتين تعتبران بمثابة نوعين للصلح: الجزئية الأولى تتعلق بالإقرار، والصلح في حال الإقرار، والجزئية الثانية تتعلق بالصلح في حال الإنكار.

وبعض العلماء إذا قسم الصلح إلى هذين القسمين يُلحق بالقسم الثاني الصلح مع السكوت حيث لا إقرار ولا إنكار.

فإذا أراد طالب العلم أن ينظر إلى هذه المسائل يمكن أن يقسِّمها إلى هذين القسمين أو إلى ثلاثة أقسام، فإن قسّمها إلى قسمين، فالقسم الأول: الصلح مع الإقرار، والقسم الثاني: الصلح مع الإنكار أو السكوت.

أما إذا أراد أن يقسمها إلى ثلاثة أقسام فالأمر واضح.

صلحٌ مع الإقرار.

وصلحٌ مع الإنكار.

وصلحٌ مع السكوت.

ولمّا كانت أحكام السكوت تتفرّع على أحكام الإنكار؛ ألحق العلماء الذين يقولون بالنوعين النوع الثالث بالنوع الثاني كما ذكرنا.

فما معنى صلح إقرار؟ وما معنى صلح إنكار؟ وما معنى صلح السكوت؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>