للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم الصبي إن خرج منه المني لمرض]

السؤال

لو خرج المني من الصبي بمرض أو غير ذلك هل يحكم ببلوغه؟

الجواب

هناك فرق بين افتراض الشيء ووجود الشيء، يعني كما لو قال قائل: إذا لم تغب الشمس هل نصلي المغرب، فكيف يخرج المني دون البلوغ؟ أصلاً المني لا يتكون إلا في بالغ، هذا المعروف عند الأطباء وهذا الذي ذكره الأطباء.

المهم أن المني لا يتكون ولا يخرج إلا من بالغ، ولا أذكر كلاماً لعالم أو لطبيب في القديم أو الحديث يذكر أن طفلاً خرج منه المني حتى ولو بعلة.

فلا يمكن ذلك أصلاً؛ لأن الله يقول: {خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان:٢] ... {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:٨٨] فجعل كل شيء في موضعه وفي مكانه، لا تستطيع أن تقدمه ولا تستطيع أن تؤخره، ولن تستطيع أن تجد أكمل ولا أبدع من صنع الله جل جلاله، وهو تعالى يقول: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة:١١٧] ما هو بديع الخلق الذين هم الناس والضعفاء فقط، إنما أخرج لنا هذا الملك العظيم -السموات والأرض وما فيها من تقدير الأشياء- {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ} [الحجر:١٩] بدقة متكاملة لا يمكن أبداً أن يزيد شيء عن حده الذي جعله الله فيه: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق:٣]، وإذا جعل الله ذلك فلا يستطيع أحد أن يقدم شيئاً أخره الله.

فهذا الخلق للماء خلق تقديري موجود في أعضاء الإنسان التناسلية، ومقدر ومرتب ومرتبط ببلوغه، ولا يمكن أن توجد هذه الغدد أو تصدر أوامرها بإفراز هذه المادة المنوية في الصبي.

هذا أمر ينبغي وضعه في البال، وفرق بين فرض الشيء ووجود الشيء، فالشيء الذي ليس له حقيقة في الوجود كما قال الإمام الشافعي: إذاً نمد الرجلين.

فالشيء الذي ليس له أصل في التقدير ما يحكم به.

لكن مثلاً: لو أن صبياً عمره أربع عشرة سنة، ثلاث عشرة سنة، اثنتا عشرة سنة، هذه كلها سنوات محتملة لخروج المني، وفجأة صار له فاجعة -نسأل الله السلامة والعافية- ويقع هذا، ففي الفاجعة أنزل، يحكم ببلوغه؛ لأن الغدد هذه تفتقر إلى قوة إما بالبلوغ، وهي القوة الذاتية، وإما بقوة من خارج.

ولذلك البدن يستعان فيه بعد الله عز وجل بأشياء من داخله وأشياء من خارجة، يقولون: المريض إذا مرض تكون قد عجزت الأشياء الداخلية عن دفع هذا المرض فيعطى العلاج، وبعض الأحيان تكون حمية الإنسان وسخونة البدن ونشاط الإنسان يقوي ما فيه بقدرة الله عز وجل ويدفع المرض.

فتجد بعض الناس يصاب بأمراض لا تؤثر فيهم كتأثيرها في أشخاص آخرين، ويعلم الأطباء هذا، حتى إن بعض العظماء لما أصابه بعض الأمراض وأعيت فيه الحيلة، وجلب أطباء الأرض، فما وجد عندهم دواءً كتب إلى الرازي وجاءه.

فلما جاءه ورأى ما به قال: علاجك في أمرين: أولاً: أن تعطيني فرسين.

ثانياً: أن تأمر أحد رجالك أن يكون بجواري، وأدخل أنا وأنت في الحمام -الحمام الساخن- وتأمر هذا المولى أن يطيع ما أقوله له، ولا يعصيني فيه، ولا يطيعك إذا أمرته.

قال: وهو كذلك، فدخل معه الحمام، فلما أدخله صار يلكزه، فكلما أراد من شدة الحر يرتفع يمنعه حتى كاد أن يموت، قال له: إنما فعلت بك هذا لأقتلك، فلما قال هذه المقالة اشتد غضبه، فأوعز الرازي للمولى أنه متى ما ركبت الفرس اتركه يركب ورائي، ففر عنه، وركب وراءه الفرس يريد أن يدركه، فبعد ما ركب مع الحمية والغضب والشدة سخن بدنه وزالت عنه العلة، فلما أدركه وأصابه قال: إنما فعلت بك من أجل شفائك فهل تجد شيئاً من مرضك؟ قال: ما أجد له حساً، قال: إنه كانت بك فضلات، عجز البدن والدواء عن إخراجها، فما بقي إلا أن تقوى نفسك على نبذ هذا الشيء وهو وجود حمية أو غضب، لكنك كنت في نعيم وترف فلا بد وأن تخرج عما أنت فيه وليس ذاك إلا إذا سخن جسمك واشتد غضبك.

فالشاهد أن الإنسان قد يبلغ بسبب فاجعة تأتيه أو أمر شديد عليه أو أمر له ضرر فيفاجأ به، فمن شدة المفاجأة ينشط ما به فينزل، أو يقع منه الاحتلام، حتى إن المرأة ربما ينفجر معها الحيض عند فاجعة، ويقع هذا ويحدث فتنشط أعضاؤها.

فأياً ما كان نحن نقول: إن هذه العلامة يحكم بها إذا كان السن لمثلها وخرج، ولو خرج بفاجعة أو مرض، فإنه يحكم ببلوغه؛ لأن الإنزال قد وقع.

والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>