للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم الوكيل إذا باع بدون ثمن المثل أو دون ما قدره له الموكل]

قال رحمه الله: [وإن باع بدون ثمن المثل أو دون ما قدره له، أو اشترى له بأكثر من ثمن المثل، أو مما قدره له صح وضمن النقص والزيادة].

(وإن باع بدون ثمن المثل).

هذه المسائل يخرج فيها الوكيل إلى الضرر، فتارةً يدخل الضرر عليك بزيادة الثمن الذي يشتري به، وتارةً يدخل الضرر عليك بالنقص في الثمن الذي يبيع به، فالوكيل له حالتان: الحالة الأولى: أن توكله بالبيع أو بالتأجير، فتقول له: بع السيارة بعشرة آلاف أو أجر هذه العمارة بعشرة آلاف، هذا كله توكيل بالبذل، وتارة توكله بالأخذ فتقول له: اشتر لي سيارة بعشرة آلاف أو استأجر لي عمارة بعشرة آلاف، ففي كلتا الصورتين إذا التزم قولك فلا إشكال.

وقد يخرج عن قولك بضرر أو بمنفعة، كأن تقول له: اشتر لي سيارة بعشرة آلاف، فيذهب ويشتريها بتسعة آلاف، هذا خروج بمنفعة، أو تقول له: اشتر لي سيارة بعشرة آلاف، فيشتريها لك بأحد عشر ألفاً هذا أخذ بضرر، تقول له: أجر لي هذه العمارة بعشرة آلاف، فيؤجرها بإحدى عشر ألفاً، فهذا أخذٌ بمنفعة، فإن أجرها بتسعة آلاف فهذا أخذٌ بضرر، فإذا خرج الوكيل عن الوكالة التي وكلته إياها بالتقييد باللفظ أو بالعرف الذي عليه ثمن المثل، كأن تقول له: أنت في المحل أو في البقالة وكلتك أن تشتري بضائع الوكالة وتبيعها للناس، فأنت إذا قلت له: وكلتك أن تجلس في المحل تبيع وتشتري فقد أطلقت له أن يتصرف في حدود المصلحة، فليس من حقه أن يشتري شيئاً بأكثر من قيمته، وليس من حقه أن يبيع شيئاً في البقالة بثمنٍ أقل من قيمته، فمثال الأول: لو أقمته في معرض سيارات، ووكلته أن يشتري هذه السيارات وقيمتها في السوق -مثلاً- بنصف مليون، فأقمته يشتريها، فذهب واشترى عدداً من السيارات بستمائة ألف، فأدخل عليك الضرر في حدود مائة ألف في الشراء، أو يبيعها وتكون السيارات تباع بمليون فيبيعها بتسعمائة ألف فيدخل عليك الضرر بمائة ألف.

في هذه الحالات يرد

السؤال

في باب الوكالة -ومن عادة العلماء أن يبحثوا في هذه المسائل-: الوكيل إذا تجاوز الحدود المعتبرة في الوكالة فأدخل الضرر آخذاً أو معطياً، فهل الذي يتحمل الضرر هو أنت -صاحب المحل والأصيل الموكل- أم أن الذي يتحمل الضرر هو الوكيل؟ لأنك أذنت له فيما لا ضرر فيه، فتصرف بما فيه ضرر فهل يتحمل مسئولية تصرفه، هذه هي المسألة.

وعلى هذا: يحتاج الأمر إلى التفصيل من حيث المنفعة والمضرة، فابتدأ المصنف رحمه الله بالضرر، وهو أن يتصرف الوكيل بالبيع والشراء ويدخل الضرر عليك في البيع والشراء، فتقول له: بع سيارة بعشرة آلاف فيبيعها بتسعة آلاف، أو تقول له: بع سيارة، وتسكت، والسيارة تباع بعشرة آلاف فباعها بتسعة، فهل يضمن أو لا يضمن؟ قال رحمه الله: (وإن باع بدون ثمن المثل).

وثمن المثل: هو المعروف في السوق أنه لمثل هذه السيارة، فالأصل يقتضي أن يبيع بثمن المثل، والإطلاق بقولك: بعت، يقتضي التقيد بالعرف، وهذا كله مندرج تحت القاعدة التي سبق التنبيه عليها والتي تقول: (العادة محكمة)، وهي إحدى القواعد الخمس التي انبنى عليها الفقه الإسلامي، (العادة محكمة)، أي: أننا نحتكم إلى عرف المسلمين وعوائدهم في متاجرهم وأسواقهم، ونحتكم إلى أهل الخبرة فيما يقولونه في البيوعات، وكذلك في الشراء في ثمن المثل، فنسألهم: هذه العمارة لو بيعت كم قيمة مثلها؟ قالوا: مليون، فباعها بتسعمائة ألف، يتحمل ذلك الوكيل الضرر الذي هو المائة الألف.

(أو دون ما قدره له).

عندنا صورتان: إما أن تحدد له القيمة فيبيع بأقل، أو تطلق فيبيع بأقل من ثمن المثل، لكن في الحقيقة كونك تقدر له الثمن أكثر من قضية ثمن المثل؛ لأن ثمن المثل في بعض الأحيان تكون قيمة العمارة مليوناً، وهناك شيء يسمى الغبن، فتكون العمارة تستحق هذه القيمة التي هي المليون، لكن قد يتسامح بعض الناس ويبيع بتسعمائة وخمسين ألفاً، فمعناه: أن هناك شبهة في الخمسين الألف، فعندنا شيء يسمى: ثمن المثل، وعندنا شيء يسمى: الغبن بالمثل، أي: فيما يتغابن بمثله الناس، فلا ننظر فقط إلى قضية المليون، بل الأمر يرجع إلى أهل الخبرة، ونسأل أهل العقارات إن كان المبيع عقاراً، وأهل الأطعمة إن كان المبيع طعاماً، وأهل السيارات إن كان المبيع سيارةً، وهذا الذي يقول عنه العلماء: يسأل عنه أهل الخبرة، فإذا كان المبيع قيمته -مثلاً- في حدود خمسمائة ألف، وممكن لشخص أن يبيعه بأربعمائة وخمسين ألفاً، لكن ما يبيع بأقل من أربعمائة وخمسين إلا رجل لا يحسن البيع، فإذا باع بأقل من أربعمائة وخمسين ألفاً كانت عليه المؤاخذة، وإذا كان في حدود ما بين أربعمائة وخمسين إلى نصف مليون فالأمر أخف، وهذا هو الذي يفرق فيه بين ثمن المثل وبين التخفيف.

<<  <  ج:
ص:  >  >>