للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم الغرر في شركة المفاوضة]

قال رحمه الله: [فإن أدخلا فيها كسباً أو غرامة نادِرَين أو ما يلزم أحدهما من ضمان غصب أو نحوه فسدت]: (فإن أدخلا فيها كسباً أو غرامة نادِرَين) أي: فإن أدخلا في شركة المفاوضة.

هناك نوعان: النوع الأول: أن تجري شركة المفاوضة على الثمن الذي تقدم معنا في الشركات الماضية: الوجوه، والأبدان، والعنان، فحينئذٍ لا إشكال في جوازه، وتخرج الجواز على قاعدة وأصل شرعي: وهو أن هذه الشركات كما جازت منفردة تجوز مجتمعة، ولا بأس بذلك.

لكن هناك نوع من شركة المفاوضة محرم ولا يجوز، وهو ما ينبني على الغرر، يقول له: أفاوضك على أن أي كسب نادر مثل اللقطة ومثل الركاز، أو أي شيء أجده فهو بيني وبينك مناصفةً، وأي شيء تجده فهو بيني وبينك مناصفةً، وأي إرث تستحقه فهو بيني وبينك مناصفةً، أو أي إرث أستحقه فهو بيني وبينك مناصفةً، وأي وصية تكون لك من مال أو متاع فبيني وبينك مناصفةً، فهذا لا يجوز، وهذا النوع من الشركات لا يجوز، والأصل عدم جوازه حتى يدل الدليل على جوازه، ولا دليل؛ لأن الغرر فيه واضح وبيِّن، وليس هناك عمل من أحدهما لقاء الآخر، وليس هناك التزام من أحدهما للآخر كالتزامه، وإنما هو نوع من الدخول على حقوق الناس على وجه غير شرعي، ولذلك حُكم ببطلان المفاوضة على هذا النوع.

قال: [أو ما يلزم أحدهما من ضمان غصب أو نحوه فسدت] الشركة كسب وخسارة، وربح ووضيعة، وغُرْم وغُنْم، فهو يقول له: أي كسب بيني وبينك مناصفةً، يمكن أن يقول له: أي خسارة عليَّ تكون بيني وبينك، وأي خسارة عليك تكون بيني وبينك، فهذا نوع من المخاطرة، يعني: شخص يقول لآخر: أنا وأنت أخوان، ونريد أن نتفق اتفاقاً يدل على محبتنا ومودتنا وموالاة كل واحد منا للآخر، فأي كسب يأتيك فبيني وبينك، وأي كسب يأتيني فبيني وبينك، وأي خسارة أو مصيبة أو بلاء يحل عليَّ أو عليك فبيني وبينك، فهذا لا يجوز؛ لأنه يخاطر كل منهما بالآخر.

يعني: لو أنه ذهب وصدم بسيارته شخصاً وقتله، فوجبت عليه الدية، يصبح بمقتضى هذا النوع من الشركة يدفع نفس الدية، مع أن الذي جنى ليس هو، وهذا الخلل ليس منه وإنما من شريكه.

فهذا النوع من الشركات فيه مخاطرة وفيه غرر، ولا يجوز ولا يصح.

<<  <  ج:
ص:  >  >>