للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[دور الأم في تربية أولادها]

السؤال

في عصرنا الحاضر شُغلت بعض الأمهات عن تربية أولادهن فتركنهم عند المربيات والخادمات، وهذا مما يسبب الخلل في الأسرة، فما توجيهكم للأم المسلمة؟

الجواب

الولد نعمة من الله سبحانه وتعالى، والله تعالى جعل في الأولاد قرة العين، ولا يكون الولد قرة عين لوالده ووالدته إلا إذا حرص كل منهما على القيام بحقوقه، ورعاية ما أمر الله عزَّ وجلَّ برعايته من واجباته، والله سائل الأب كما هو سائل الأم عن حق ولدها: أحفظ كل منهما أو ضيَّع، ولن تزول أقدامهما بين يدي الله عزَّ وجلَّ حتى يُسألا عن حقوق الولد، حتى تسأل الأم عن بكاء صبيها.

فالأمر جِدُّ عظيم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته).

وعلى الأم أن تعلم أن الله تعالى أسكن في قلبها الرحمة لولدها، وإذا أرادت أن يبارك الله لها في هذا الولد، وأن يقر عينها به في حال الكبر فلتحسن إليه في الصغر، فإن الله تعالى جعل جزاء الإحسانِ الإحسانَ، ولتنظر إلى هذه الذرية الضعيفة، كيف لو كانت مكان هذه البنت، أو مكان هذا الولد، وقد استَلَمَتْه يدٌ غريبة، لا تحن إليه، ولا تعطف ولا تشفق عليه كشفقة أمه، ولربما كانت الخادمة تريد التخلص من الولد بأي وسيلة، فهو إذا بكى تريده أن يسكت بأي وسيلة ولو بضربه، وإذا اشتكى تريد سكوته ولو بقمعه، وكل ذلك تسأل عنه الأم بين يدي الله عزَّ وجلَّ.

فكونها تدع الولد عند الخادمة لا يبرئها من المسئولية، إذ الواجب في هذه الخادمة إذا وكلتها لحفظ الولد أن تكون كمثلها من كل الوجوه رعايةً وقياماً على حقوق الولد، وهي لا تستطيع أن تزكي خادمتها على هذا الوجه.

وعلى ذلك: فعلى كل أم أن تعلم أن الواجب الأصلي أن تكون هي المرضعة لولدها، وأن الواجب الأصلي أن تكون هي الحاضنة المتكفلة بالولد، وأنه لا يجوز لها أن تتهرب عن هذه المسئولية بكثرة الخروج من المنزل خاصةً للزيارات والمناسبات واللقاءات دون شعور بما أوجب الله عليها وفرض من حق هذا الولد، فعليها أن تحسن تربية الولد وألَّا تخرج إلا من ضرورة وحاجة، وإذا أرادت الخروج وَوَكَلَتْه إلى غيرها أن تتقي الله عزَّ وجلَّ فيه، وأن تضعه في يد أمينة، تحفظه ولا تضيعه، وتكرمه ولا تهينه، وتحسن إليه ولا تسيء إليه، يدٌ تستطيع أن تلقى الله سبحانه وتعالى وتقف بين يديه وهي شاهدة لها وحجة لها لا عليها، وعلى كل أم أن تستشعر المسئولية، وأن تعلم أن الأمور لن تمر هكذا، فما خُلق الإنسان سُدى، ولا أوجد الله هذه النعمة عبثاً.

فكم من أبناء دُمِّروا وبنات ضُيِّعْنَ بسبب تقاعس الأمهات عن القيام بالواجبات! وكم من أم صالحة ضحت بأمور الدنيا وبفضائل الدنيا لقاء إحسانها إلى ولدها، فما ماتت حتى أقر الله عينها بصلاح ولدها! إن الأم الصالحة التي تعرف حقوق ولدها وواجبات أبنائها وبناتها، وتنظر إلى هذه الذرية أنها ستضيع إن وَكَلَتها إلى خادم أو خادمة، تغار على هذه الذرية، وبينها وبين الله أنها تريد أن تحسن إلى هذه الذرية، وبينها وبين الله أنها تريد شكر نعمة الله وإحسانه إليها، فتحفظ ولدها وتضمه إلى صدرها، وتفيض عليه من حنانها ورحمتها لعل الله أن يرحمها كما رحمته، وأن يحسن إليها كما أحسنت، فهي بخير، ولن تموت حتى ترى من ولدها ما يقر الله به عينها، وإن ماتت قبل ذلك فسيُتبعها الله بالرحمات وصالح الدعوات ما يكون لها خيراً في قبرها ولحدها، وحشرها ونشرها ووقوفها بين يدي الله عزَّ وجلَّ.

على الأمهات أن يتقين الله عزَّ وجلَّ في حقوق الأبناء والبنات، وأن يتذكرن أن الله سائلهن، وعليهن أن يعلمن علم اليقين أن الدنيا فانية زائلة حائلة، وأن الله سبحانه وتعالى سيحاسب العبد حساباً إما عسيراً وإما يسيراً، وحقوق الناس تحاسب على الحساب العسير؛ لأنها حقوق بالقصاص، {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:٤٧]، إي والله! كفى بالله حسيباً، وكفى بالله شهيداً، فهو المطلع على التضييع وعلى التفريط واللامبالاة والإهمال، وكل ذلك ستلقاه الأم بين يدي ذي العزة والجلال، وولدُها خصمٌ لها بين يديه: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:٣٤ - ٣٧]، فالولد ينسى عاطفة والديه فيقول: يا رب! سل أمي عن تضييعها لحقوقي، فيحاسبها عن كل صغيرة وكبيرة، ويرى أمام عينيه كل ما كان من إساءة والدته إليه، وكل ذلك يؤخذ من الحسنات أو يؤجب السيئات، نسأل الله السلامة والعافية.

فعلى الأمهات أن يتقين الله عزَّ وجلَّ، وأن ينظرن كيف تفككت الأسر، إن المجتمعات تُدَمَّر إذا فقدت العاطفة، وإذا تقطعت أواصر الرحمة بين أفراد المجتمع يُدَمَّر المجتمع تماماً، ولذلك نجد في بلاد الكفر أن الرجل ربما غاب عن أمه السنوات ولا يسأل عنها، نسأل السلامة والعافية.

وحدثني من أثق به أن رجلاً من أهل الكفر كان يعلم أموراً دنيوية، جاء إلى طلابه يوماً من الأيام يفتخر ويقول: أرسلت له أمه -البعيد- رسالةً تسأل عن حاله، فمزق الرسالة ولم يجبها.

فعجب طلابه من ذلك -وانظروا كيف ينقلون السموم إلى أبناء المسلمين- فلما سأله طلابه وقالوا: كيف يكون هذا، وهذه أمك؟! قال: هذه تضيع وقتي.

الوقت عنده غال وعزيز إلى درجة أنه لم يلقِ نظرة على كلمات من أمه.

نعم.

لأن الواحد منهم يتربى على أسلوب ليس فيه حنان ولا رعاية، فالمرأة خَرَّاجَةٌ وَلَّاجَةٌ، ذاهِبَةٌ آتِيَةٌ، لا تبالي بولدها ضاع أو حُفِظ، أُكْرِم أو أُهِين، فلما كَبر عامَلَها كما عامَلَته، وضَيَّعها كما ضَيَّعَته، وأهانَها كما أهانَته، فكما كانت مُضَيِّعَةً له في الصغر ضَيَّعَها الله به في الكبر.

فهكذا الأمهات وهكذا الآباء، فعلى كل أب أن يكون قريباً من أهله وولده، ووالله! إن سهرك خارج البيت قد يدمر البيت، فكثرة السهر وإضاعة الأبناء والبنات، من الآباء والأمهات قد يضيع الأسر ويشتتها، ولو كان الإنسان في بعض الأحيان يعتذر بالأعذار؛ لكن غَلَبَةَ السهر إلى درجةٍ يَفْقِدُ فيها الولد رؤية الوالد قد تدمر البيت، فرؤية الوالد في البيت لها آثار نفسية من ناحية الرحمة، والود، والعطف، والحنان.

والبيوت التي تجد الآباء محافظين فيها على الحضور وتجد شخصية الأب متواجدة أكثر اليوم أو أغلب اليوم تجد وشائج الرحمة والصلة، وهيبة الوالد ومكانته محفوظة.

والبيوت التي يغيب فيها الآباء بالساعات ويسهرون ولا يبالون بحقوق الأبناء والبنات تجدها على العكس تماماً.

فعلى كل والد ووالدة أن يتقي الله عزَّ وجلَّ وأن يعلم أن الله سائله ومحاسبه.

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يسلمنا ويسلم منا.

اللهم تب علينا وتجاوز عنا، ونسأل الله العظيم أن يجعل ما وهب لنا قرة عين في الدنيا والآخرة، وأن يرزقنا صلاح أبنائنا وبناتنا، وأهلينا وزوجاتنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>