للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[معرفة العين المؤجرة بعين أو صفة]

يقول رحمه الله: [ويشترط في العين المؤجرة: معرفتها بعين، أو صفة في غير الدار ونحوها].

العين المؤجرة تستوفى منها المنافع، ولا يمكن للإنسان أن يستأجر محلاً لا يعرفه ولم يوصف له، فهذا مما فيه الغرر، ومن أمثلة ذلك: أن يستأجر داراً دون أن يكون قد رآها وشاهد غرفها ومنافعها لكي ينظر هل تصلح له أو لا تصلح، فإذا تم التعاقد بين الطرفين على عين من أجل الإجارة، فإنه لابد وأن تكون العين معروفة، قال رحمه الله: (أن تكون العين المؤجرة) أي: مثل: البيت العمارة الشقة الفلة المزرعة السيارة الدابة.

فهذه كلها أعيان مؤجرة يقصد من ورائها المنافع.

إذا أجرك البيت من أجل تسكن، فالمنفعة هي السكنى، أو أجرك الأرض من أجل أن تزرع، فالمنفعة هي الزراعة، وحتى لو كانت الإجارة باليومية فقد يؤجر ديوان مزرعته من أجل أن تجلس فيه للراحة والاستجمام ونحو ذلك، فتكون المصلحة والمنفعة هي الارتفاق بهذا الموضع.

إذاً: لابد أن تكون العين التي هي محل التعاقد بين الطرفين معروفة للمستأجر؛ والسبب في هذا: أنه لو أجره شيئاً يجهله وقال له: أؤجرك سيارة.

وظن المستأجر أنها جيدة، فإذا بها رديئة، فلربما كان يظن أن فيها منافع قد يرتاح إذا ركبها، فإذا به يفاجأ بالسيارة ليست فيها تلك المنافع، فيقول: يا فلان! أنا استأجرت منك السيارة لمنافع معينة، وهذه السيارة ليس فيها تلك المنافع.

فيقول: أجرتك السيارة، وقد قبلت.

فيحدث التشاحن والبغضاء بين الطرفين، فالشريعة تريد من الطرفين إذا تم التعاقد بينهما على عين مؤجرة أن تكون العين معروفة إما برؤية، أو بصفة في غير الدار أو نحوها.

(برؤية) مثال ذلك: لو كان لك جار عنده سيارة، وهذه السيارة يؤجرها للسفر، فأردت أن تسافر، فقلت له: أريد أن توصلني إلى المدينة.

فقال: أوصلك بسيارتي.

فأنت تعرف سيارته وتعرف صفاتها، إذاً يصح، وهذا هو معنى الرؤية، أي: سبق لك وأن رأيت سيارته.

أو قال له: أؤجرك أرضي الزراعية التي في موضع كذا.

وأنت قد سبق وأن رأيتها، إذاً: المعرفة منك أنت المستأجر للعين المؤجرة بسبق رؤية.

(أو بصفة) يقول لك: أؤجرك عمارة بجوار الحرم أو على شارع كذا.

ويصفها لك وصفاً تاماً بحيث إن هذا الوصف يخرج فيه الإنسان من الغرر الذي يترتب على الجهالة، فإذا وصفها كذلك فحينئذٍ يصح، لكن يستثنى من هذا الدور؛ لأن الدور كانت تختلف في الزمن القديم، ولم تكن مثل زماننا اليوم، حيث تخطط، وتكون أطوال الغرف دقيقة ومفصلة، بل كانت في القديم تختلف في أطوالها وأحجامها، ويصعب فيها الوصف؛ ولذلك قالوا في الدور: لابد وأن تشاهدها؛ لأجل دفع الغرر، وسنأتي إلى هذا المستثنى.

الأصل عندنا: أنه لابد أن تتقدم معرفة العين، إما برؤية كأن تكون قد عرفت سيارته أو عمارته أو فلته أو شقته، وسبق المعرفة يكون إما بالرؤية أو بالوصف، يقول لك: أجرتك سيارة.

السيارة فيها الكبير وفيها الصغير، فقد تقول له: أريد منك أن توصلني إلى المدينة.

قال: أوصلك وعائلتك -مثلاً- كل واحد بمائتين.

قلت: قبلت.

فربما تقبل بعائلتك أن تركب في سيارة خاصة، لكن لا ترضى أن تركب مع غيره، إذاً: لابد أن يحدد هل هي سيارة مشتركة أو سيارة منفصلة؛ لأنك قد تتضرر بالركوب مع غيره، وهل هي مكيفة أو غير مكيفة، صغيرة أو كبيرة؛ لأن الشريعة تريد من المستأجر أن يدخل في عقد الإجارة على بينة لا غرر فيها، ويكون مطمئناً أن يدفع المال في شيء يرى في نظره أنه يستحق.

إذاً: علمنا أنه لابد من الرؤية أو الصفة، فحينئذٍ لو أجر سيارة بدون رؤية أو صفة فقال له: أوصلك إلى المدينة بسيارتي، لم يجز ذلك حتى يبين ويحدد؛ دفعاً للضرر ودفعاً للمفسدة، وهكذا لو أراد أن يستأجر السيارة باليومية مثلما هو موجود الآن، فيأخذ السيارة ويستأجرها يوماً بمائة، أو كل مائة كيلومتر بألف ريال مثلاً، فإذا أراد أن يستأجر هذه السيارة فلابد أن تحدد الشركة المؤجرة نوعية السيارة وأوصافها؛ حتى يخرج من الغرر؛ ويكون حقه مضموناً من هذا الوجه.

ومسألة معرفة العين المؤجرة بالرؤية أو الصفة يترتب عليها حكم شرعي، وهو: أنه لو وصف لك السيارة، أو كنت تعرفها سابقاً بالرؤية، وتبين الأمر على خلاف ما عهدت أو خلاف ما وصف لك؛ فحينئذٍ يثبت لك خيار الرؤية بعد تبين حقيقة العين المؤجرة، مثال ذلك: قال لك شخص: أؤجرك سيارتي الفلانية إلى المدينة بألف.

فقلت له: قبلت.

وعهدك بالسيارة أنها مكيفة ونظيفة، فجئت وإذا بالسيارة مختلفة تماماً عن ذلك، عند ذلك لك خيار العين، فمن حقك أن ترجع وتقول: إنني أعرفها جيدة فأصبحت رديئة.

لأن السيارة إذا كانت رديئة تعطلك عن المصالح بالتأخر، ولربما يخشى الإنسان منها الضرر أثناء قيادتها.

إذاً: إذا اختلفت العين المؤجرة عما عهدت من سبق الرؤية كان لك خيار، وخيار الرؤية يثبت في بيع الغائب كما ذكرناه في البيوع، ويثبت في العين المؤجرة الغائبة إذا وصفت.

ورؤية: كان له سبق رؤية فاختلفت عما كان يعهدها عليه، أو وصفها له فاختلفت الصفة، قال المستأجر: السيارة مكيفة؟ قال المؤجر: نعم.

مكيفة.

فلما ركب معه إذا بها غير مكيفة، إذاً: من حقه أن يفسخ عقد الإيجار؛ لأن هذا يعتبر تدليساً وغشاً، وبعض العلماء يقول: إنه يلزم بتأمين سيارة مثل ما وصف.

أي: بدلاً عما وصف، فيلزم الطرف الثاني بتهيئة هذا النوع من السيارات على الصفة المتفق عليها.

إذاً: يشترط في المنفعة أن تكون العين التي تكون منها المنفعة معروفة عند المستأجر: إما برؤية، أو بصفة في غير الدار، وقلنا: الدور تختلف بحسب اختلاف أحجام الغرف واختلاف أحجام المنافع، فقالوا: لابد في إجارة الدور من الرؤية والمشاهدة، فلو أنه أجره شقة بالوصف على هذا القول لم يصح من حيث الأصل حتى يقف ويرى الشقة على حقيقتها؛ لأنها تختلف، ولا يمكن أن توصف وصفاً خالياً من الغرر.

أما بالنسبة لنحو الدور فمثل الحمامات في القديم، وقد ذكرنا هذا؛ لأنهم في القديم كانوا يؤجرون الحمامات من أجل الاغتسال، فالحمام يختلف حوضه صغراً وكبراً، ويختلف من حيث النظافة ونحوها، فقالوا: لابد من الرؤية.

ولذلك نجد الآن في بعض الفنادق إذا استأجر المستأجر يعطونه المفتاح ويقولون له: شاهد الغرفة.

وهذا شيء طيب؛ لأن هذا يمكن المستأجر من أن يكون على بينة من الشيء الذي يستأجره، ويكون على بينة من الشيء الذي يريد أن يرتفق بها، وهكذا بالنسبة لإجارة المحلات ونحوها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>