للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أن ينتج الإتلاف عن خطأ لا عن تعدٍ أو إهمال

وقوله: [ولا يضمن أجير خاص ما جنته يده خطأً].

(ما جنت يده خطأً) فهناك الخطأ وهناك التعمد وهو القصد للإتلاف والضرر، فإذا قلت: لا يضمن.

يترتب أمران، وإذا قلت: يضمن.

يترتب أمران أيضاً.

إذا قلت: لا يضمن.

أسقطت عنه المؤاخذة من المكلفين -هذا الأمر الأول- وأسقطت عنه المؤاخذة من رب العالمين، فالشخص الذي تقيمه للقيام بعمل معين في مزرعة أو أرض -وهو الأجير الخاص- ونصح لك واتقى الله فيما أمرته، وأدى ذلك الشيء الذي أمرته به على الوجه المعتبر؛ فإنه إذا وقع منه خطأ بدون قصد ولا تعد ولا تفريط؛ فليس من حقك أن توبخه أو تسبه أو تشتمه، فإن فعلت ذلك فقد ظلمته؛ لأنه غير ضامن أصلاً، وما من وجه شرعي يخولك الأذية والإضرار، فيصبح سبه وشتمه وقهره وأذيته وتوبيخه من الاستطالة في عرض المسلم واستباحتها بدون حق.

وهذا أمر يفرط فيه كثير من الناس إلا من رحم الله، ونحب أن ننبه عليه إن كثيراً من أصحاب الأعمال بمجرد ما يقع الخطأ من عامله بدون تقصير يقوم بتوبيخة وسبه وشتمه، وهذا لا يجوز، وكل هذا السب والشتم إما حسنات تؤخذ منه أو سيئات -والعياذ بالله- يحملها على ظهره، فلا يجوز أن يستباح عرض العامل أو الأجير ما لم يفرط، فإن الله تعالى يقول: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء:١٤٨] وصاحب العمل غير مظلوم، فحينئذ ليس من حقه أن يظلم أخاه المسلم بالسوء، هذا بالنسبة للمخلوق، وأما بالنسبة لحكم الله عز وجل وشرعه فإنه لا يطالب بالضمان في الدنيا، ولا أيضاً تتعلق مسئولية الآخرة؛ لأنه إذا أدى ما وجب عليه خليت نفسه وبرئت ذمته من الإثم في الآخرة كما برئت ذمته من تبعة الدنيا لسقوط الضمان عنه.

فقوله: (خطأً) خرج القصد كما ذكرنا، فلو جاء -مثلاً- بالزجاج ومسحه بطريقة عفوية فانكسر الزجاج، قلنا في هذه الحالة: لا يضمن.

لكن لو جاء بالزجاج قاصداً وكسره، نقول: يضمن؛ لأنه في الحالة الأولى أخطأ، وفي الحالة الثانية تعمد.

من مسائل الخطأ أيضاً: لو أنه حمل الزجاج فزلجت يده وسقط الزجاج وانكسر، أو تهشم بعضه، أو حصل منه ضرر على فراش أو نحوه، أو حمل مائعاً فانكب على فراش فأفسده أو أتلفه أو أضر به، وكان هذا الحال كله على سبيل الخطأ، إن زلجت يده ولم يتعاط أسباب التفريط، لكن لو كانت يده مبلولة وفيها لزوجة، أو غسل الزجاج بمادة لزجة، ثم جاء بعد لزوجته وأخذه، فهنا نوع من التساهل والتفريط له حكمه الخاص الذي سيأتي.

إذاً: لابد من أن يكون ذلك من قبيل الخطأ، وألا يكون قصده الضرر، وثانياً: ألا يفرط؛ لأنه قد يخطئ وهو مفرط، الآن مثلاً: يأتي العامل وتقول له: إذا جاء المساء فعليك أن تقفل باب المزرعة.

ولكنه ترك الباب مفتوحاً، فهذا تساهل وتقصير؛ فحينئذ نقول: إنه مقصر، فهو إما أن يتعدى وإما أن يقصر.

وعكسها -عدم التعدي- الخطأ، وعدم التقصير إذا أدى العمل على وجه معتبر فجاء شيء وأتلفه قضاء وقدراً.

إذاً على هذا: الأجير الخاص لا يمكن أن تحمله المسئولية إلا إذا تعدى أو قصر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>