للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم الدلك عند الغسل]

قال رحمه الله: [ويدلكه] أي: يدلك البدن مبالغة في الإنقاء والتطهير وإيصال الماء إلى البدن، والدلك للعلماء فيه قولان: فمن أهل العلم رحمة الله عليهم من يقول: الدلك واجب، ومن اغتسل ولم يدلك بدنه لم يصح غسله، والقول الثاني: أن الدلك مستحب وليس بواجب، وهو قول الجمهور، والقول الأول لـ مالك رحمة الله على الجميع، والصحيح: مذهب الجمهور، وهو أن الدلك ليس بواجب وإنما هو مستحب، والدليل على عدم الوجوب ما ثبت في الصحيحين من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (إنما يكفيكِ أن تحثي على رأسكِ ثلاث حثيات) انظر قوله: (إنما يكفيكِ -أي: يجزئك) وهذا الإجزاء لا يكون إلا في الواجبات، (إنما يكفيكِ أن تحثي على رأسكِ ثلاث حثيات ثم تفيضين الماء على جسدكِ فإذا أنتِ قد طهرتِ -وفي رواية: فإذا أنتِ تطهرين-) ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالتعميم ولم يبين لها وجوب الدلك وقال لها: (تفيضين) والإفاضة: الصب، ولذلك صح قول من قال: إن المقصود صب الماء دون الدلك، ولذلك يظهر أن هذا القول هو أعدل الأقوال وأولاها بالصواب.

لكن الإمام مالك رحمة الله عليه انتزع وجوب الدلك من حديث أم المؤمنين عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل بالصاع، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ربعة من الرجال، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وكان عليه الصلاة والسلام وسطاً من الرجال، فالإمام مالك يقول: لا يعقل أن الصاع يغسل هذا القدر إلا بالدلك، وهو من ناحية الاستنباط صحيح، والأعدل أن يقال: الدلك ليس بواجب، لكن إذا كان الماء قليلاً وتوقف وصول الماء لجميع البدن على الدلك فإنه واجب من جهة: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).

والاستثناء بالصور المخصوصة لا يقتضي التعميم في جميع الأفراد، وبناءً على ذلك: فإنه ينظر في الماء الذي تغتسل به، فإن كان هذا الماء تستطيع إيصاله إلى جميع البدن دون أن يكون منك دلك فإن هذا هو القدر الذي أوجب الله عليك، وإن كان هذا الماء لا تستطيع إيصاله إلى جميع البدن إلا إذا دلكت فحينئذٍ يلزمك الدلك من باب: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، لا أنه واجب أصالة، وهذا هو أعدل الأقوال، وعلى قول المالكية بالوجوب يحصل إشكال في الموضع الذي لا تستطيع أن توصل إليه يدك، كأن يكون مثلاً: وراء الظهر، فقالوا: إذا شق عليه الدلك استخدم الليفة وحك بها ظهره.

وصل لما عسر بالمنديل ونحوه كالحبل والتوكيل أي: الذي يعسر عليك الوصول إليه باليد فإنك تستخدم واسطة، حتى لو تأخذ قطعة من القماش وتضعها في خشبة وتحك بها الظهر؛ لأنهم يرونه واجباً على جميع أجزاء البدن، والذي يظهر أن الواجب هو تعميم البدن، فلو أنك انغمست في بركة دون أن تمر يدك على سائر البدن أجزأك ذلك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>