للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بطلان تصرفات الغاصب الحكمية]

قال رحمه الله: [فصل: وتصرفات الغاصب الحكمية باطلة].

(تصرفات الغاصب): هذا الموضع والمسائل التي ذكرها المصنف رحمه الله في بداية هذا الفصل تتعلق بالتصرفات في العقود من بيعٍ وهبةٍ ووقفٍ وغير ذلك، فبعد أن بيّن لنا تصرفات الغاصب الفعلية شرع في تصرفاته الحكمية ببيع المغصوب، و (الحكمية): أي: الحكم على الشيء من حيث الصحة والفساد، تصرفات الغاصب الحكمية المعنوية باطلةٌ، هذا أصل، والدليل على ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام: (ليس لعرق ظالمٍ حق)، وقد حرم الله عز وجل أموال المسلمين، وجعل حُرمة المال كحرمة الدم، وإذا كان المال محرماً على الإنسان فتصرف فيه بدون ملكية وبدون إذنٍ وبدون ولايةٍ فتصرفه باطل؛ لأن المال ليس ملكاً له، فلو أن شخصاً جاء واغتصب سيارتك ثم باعها، فنحكم على البيع الثاني بالبطلان، ولو أخذ سيارتك ووهبها إلى شخص فإننا نحكم على هذه الهبة بأنها باطلة ويجب رد السيارة إلى مالكها.

فقوله: (باطلة): الباطل لا تترتب عليه الأحكام الشرعية بحيث لا يحكم بصحة البيع ولا بصحة الهبة، ولا يحكم بالآثار المترتبة عليه، فمثلاً: لو أنه اغتصب جاريةً ثم وطئها، فإن هذا الوطء يعتبر وطء زنا بالنسبة له، وبالنسبة للجارية: إذا أكرهت على جماعه وعلى استمتاعه كان حكمها حكم الإكراه على الزنا وسيأتي -إن شاء الله- في باب الحدود، فإذا وطئها وهو غاصب لها، فإنه لا يجوز لها أن تمكنه من نفسها، فهذا التصرف بالوطء نعتبره زنا، فإذا كان متزوجاً فإنه يرجم وحينئذٍ نعتبره متعدياً لحد الله عز وجل مرتكباً للزنا؛ لأنه يعلم أن هذه الجارية لا تحل له، وعلى هذا: فإذا وطئها يكون حكمه حكم الزنا ولا إشكال في ذلك.

لكن لو تصرف بالبيع أو تصرف بالهبة فيكون الضمان للعين ويجب عليه ردّ العين، وأما بالنسبة لما يترتب على الآثار المترتبة على هذا البيع وعلى الهبة؛ فإنه لا تترتب آثار شرعية، فكل ما بُني على هذا البيع فهو باطل.

فلو باع سيارةً لإنسان بعشرة آلاف، والسيارة مغصوبةٌ ثم قام الثاني ببيعها لشخص آخر ثم بيعت إلى ثالث أو رابعٍ فجميع البيوع باطلة؛ لأن ما بني على باطل فهو باطل، والقاعدة: أن الفرع آخذ حكم أصله، فالبيع الثاني فرعٌ عن البيع الأول؛ لأن البائع في البيع الثاني باع بملكية يدعيها من البيع الأول وبناها عليه، فإذا أسقطت البيع الأول أسقطت ما بعده من البيوعات، ثم لو أن الأخير الذي اشترى وهب السيارة أو تصدق بها حكمنا ببطلان البيع والهبة والصدقة؛ لأن جميع ما بني على باطل يحكم ببطلانه ويجب رد هذه السيارة إلى صاحبها وضمانها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>