للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم إتلاف مال الغير خطأ]

الحالة الثانية: أن يقدم على إتلاف مال أخيه مخطئاً، كرجلٍ أخذ سيارة شخص فحصل حادث أتلف بسببه السيارة، فهو لم يقصد ولم يتعمد إتلافها، فنقول: يترتب شيء واحد، وتسقط العقوبة والتعزير؛ لأنه لا يقصد، ويجب ضمان حق أخيه المسلم.

إذاً: ضمان الحق يستوي فيه أن يكون متعمداً أو مخطئاً، فالشريعة توجب ضمان حق المسلم سواءً كان متعمداً أو مخطئاً، ثم الضمان يختلف: فتارةً تجعل الشريعة النفس بالنفس كالقاتل يقتل، وتارةً توجب الضمان بالأموال، إذا كانت أموالاً كما سيأتي -إن شاء الله- تفصيله، إذاً: يتبين من خلال هذا: أن الكبير البالغ العاقل: إما أن يتعمد أو يخطئ، فإذا تعمد ترتب أمران: أولهما: عقوبته بالتعزير بما يليق به وبجنايته، والثانية: ضمان الحق لصاحبه.

ومسألة إيجاب الضمان عليه إذا كان مخطئاً، هذه تحدث إشكالاً، فالله تعالى يقول: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:٢٨٦]، ويقول تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:٥].

فخذها قاعدة: أن الخطأ يجب فيه الضمان من باب الحكم الوضعي لا من باب الحكم التكليفي، وتوضيح ذلك: أن الأحكام الشرعية التي يخاطب بها المكلف كإيجاب الصلاة والزكاة والصوم، هذه يكلف بها الإنسان ويخاطب بها، وإذا أخطأ سقط عنه الإثم، لكن ضمان هذه الحقوق لا يسقط بالخطأ، ونبدأ بحق الله، مثلاً: لو أن شخصاً قلت له: قم فصل الظهر، قال: صليت، وظن أنه صلى وهو مخطئ لم يصل، ثم لما مضت ساعة تذكر أنه كان مخطئاً حينما قال لك: صليت، فيجب عليه أن يصلي.

إذاً: خطؤه أوجب سقوط الإثم عنه طيلة الفترة التي كان فيها مخطئاً، فلما تبين له أن ذمته مشغولة سقطت عنه المؤاخذة، وتوجه الخطاب عليه أنه لم يصل، فبناءً على هذا: إذا كان الشخص مخطئاً نسقط عنه الإثم، لكن نوجب عليه الضمان، ولذلك ترى نص القرآن حينما أمر الله عز وجل بالدية فيمن قتل أخاه المسلم مخطئاً: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء:٩٢]، فالقتل إذا وقع بالخطأ وجب ضمانه بالدية، مع أنه مُخطئ، والله يقول: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:٢٨٦]، ففهمنا أن المؤاخذة من جهة التكليف وهي: وجوب ترتب الإثم على الفعل.

إذاً: مسألة ضمان المتلفات يستوي فيها المخطئ والمتعمد، الكل يضمن، إذا ثبت هذا يرد

السؤال

لماذا تطالب الشريعة المخطئ بالضمان، قد يرد إشكال ويقول لك: هذا رجل أخطأ فصدم سيارةً أو قتل إنساناً بسيارته دهساً وهو لا يريد قتله، أو دهس بهيمةً أو كسر محلاً أو نحو ذلك لماذا توجب عليه الضمان مع أنه مخطئ؟

و

الجواب

أن هذا يدل على سمو منهج الشريعة الإسلامية وكمالها؛ لأن الأموال لا تتلف إلا بشيء من التفريط، لا يمكن أن يقع إتلاف إلا بشيء من التفريط، فالدهس والقتل لا يقع إلا بسبب تفريط السرعة وعدم ضبط الإنسان لقيادته مثلاً، والدابة لا تتلف الأشياء وهي في ملكك إلا بسبب التساهل بتركها ترعى في أموال الناس وتتلفها.

فلو فتح باب: أنه لا يجوز الضمان في الخطأ لضاعت حقوق الناس؛ ولذلك تجد الناس الآن إذا علم أنه لو حصل بينه وبين أخيه حادث أتلف به سيارته أنه يضمن، احتاط وأخذ بجميع الأسباب التي بإذن الله عز وجل تمنعه وتحول بينه وبين الوقوع في أذية أخيه المسلم.

إذاً فمنهج الشريعة من أكمل ما يكون وأتم ما يكون في ضمان حقوق الناس، وهذا يحفظ للناس دماءهم وأموالهم وأعراضهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>