للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التجاوز عن المعسرين من أفضل الأعمال]

السؤال

أقرضت شخصاً خمسمائة ريال، وبعد فترة طلب مني المسامحة والإعفاء فهل يجوز لي أن أسامحه وأعفيه، وهل يدخل ذلك في ربا الجاهلية؟

الجواب

هذا من ربا الآخرة إذا سامحته في خمسمائة أعطاك الله أضعافها؛ لكنه رباً طيب ورباً مباح ورباً مشروع، والله عز وجل يربي الصدقات كما أخبر سبحانه وتعالى أي: يزيدها ويضاعفها، يتلقاها بيمينه وكلتا يدي الرحمن يمين كما في الصحيح، فيربيها وفي رواية فينميها، (فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه -والفلو: هو صغير الخيل- حتى يجدها يوم القيامة أعظم ما تكون) ولذلك كان بعض العلماء رحمهم الله يقول: لا ينبغي للإنسان إذا نوى الصدقة أن يتأخر، يعني: ممكن أن تأتي على باب المسجد وتجد السائل وتقول: إذا خرجت أعطيه فهذا الوقت الذي أخرت فيه الصدقة لو أعطيتها السائل يضاعف الله فيه صدقتك أضعافاً كثيرة لا يعلمها إلا الله، وهذا هو الربا الذي يربيه الله عز وجل في الصدقات.

وهذا مما ندب الله عز وجل إليه، ومن أفضل الصدقة وأحبها إلى الله سبحانه وتعالى الصدقة على المديون، خاصة إذا كان معسراً أو كان في ضائقة واهتم واغتم لدينك، فجئته ووقفت عليه وقلت له: إني مسامحك لوجه الله، أو إني قد عفوت عن المال أو أنت في حلٍ من المال الذي أعطيتك، فإن هذا من أحب ما يكون، فالتجاوز عن المعسر والتسامح معه كل ذلك من القربات، والباقيات الصالحات التي يجدها الإنسان في الحياة وبعد الممات، ولذلك أخبر صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح: (كان فيمن كان قبلكم رجل يعطي الناس ماله ديناً وقرضاً، وكان يوصي أعوانه ويقول: إذا وجدتم معسراً فتجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا).

الرحمة ما تكون في عبد إلا أصاب خير الدنيا والآخرة، هذه الرحمة التي وصف الله بها المؤمنين فقال: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:٢٩] فيقول: (إذا وجدتم معسراً فتجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا) بخٍ بخٍ! إذا أعطى الله الدنيا للعبد فجعل الآخرة نصب عينيه، فهو الموفق السعيد وهذا العبد الصالح لما كانت التجارة بين يديه والدنيا بين يديه جعل الآخرة نصب عينيه، فهو يخاطب من تحته ويخاطب أعوانه قائلاً: (إذا وجدتم معسراً فتجازوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا) ففي الصحيح أنه يلقى الله عز وجل يوم القيامة فيقول الله لملائكته: (نحن أحق بالتجاوز عن عبدي، تجاوزوا عن عبدي فقد غفرت له).

فهذه من أحب الأعمال إلى الله، وأحب القربات إلى الله سبحانه وتعالى، وبالأخص إذا كانت في حق المحتاجين والمعسرين كأصحاب الأسر الفقيرة والأيتام والأرامل، فمسامحتهم والتجاوز عنهم، كل ذلك مما يؤذن برحمة الله للعبد وحصول البركة والخير في المال والولد، فإن الصدقة خيرها عظيم ونفعها عميم، نسأل الله العظيم أن يوفقنا لما يرضيه والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>