للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[وجوب كون الجعالة معلومة على شيء معلوم أو مجهول]

وقوله: (أن يجعل له شيئاً) نكرة تشمل القليل والكثير، فمن حقك أن تقول: من أحضر لي كذا أعطيه ريالاً، وهذا قليل بالنسبة للعرف، أو أعطيه عشرة أو مائة، فكله جعالة، سواءً كان قليلاً أو كثيراً.

وقوله: (معلوماً) خرج به المجهول، فلا يجعل شيئاً مجهولاً، كما لو قال: من عثر على سيارتي الضائعة فأرضيه، أو أعطيه شيئاً، أو أعطيه مالاً، أو له مكافأة، فهذا لا يجوز؛ لأنه مبهم، والجعل مجهول، ولا يجوز أن يجعل جعلاً مجهولاً، وهذا بإجماع العلماء رحمهم الله، فلا يقول: أعطيه مكافأة؛ لأنه ربما ذهب المسكين وتعب وظن أن المكافأة فوق ألف ريال، ولو علم أنها دون الألف ريال لما أتعب نفسه، فيأتي وإذا بها مائة ريال، فإذا جاء يقول: لماذا لم تعطني إلا مائة؟ قال: أنا قلت: لك مكافأة، وهذه مكافأة.

إذاً: لا يغرر بالناس، ولابد أن يكون الجعل معلوماً، فلا يصح أن يقول: أرضيك، ولا يصح أن يقول: مكافأة، ولا يصح أن يقول: نعطيه ثوباً، أو نعطيه سيارة، حتى يصف الثوب الذي سيعطيه أو السيارة التي سيعطيه، بمعنى: أن يحدد الثواب والجعل الذي وضعه؛ لقوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:٧٢]، والحمل معروف -كما ذكرنا- في الوصف وهو ستون صاعاً، فقال: {حِمْلُ بَعِيرٍ}؛ لأنه معروف بالعرف، فيجوز أن يطلقه لمعرفته عن طريق العرف.

فقوله رحمه الله: (أن يجعل شيئاً معلوماً)، أي: أن يجعل شيئاً معلوماً ببداية العقل، ويقول له: هذا الشيء المعلوم، وهو يشمل جميع الأموال، سواءً كانت من الأعيان من الحيوانات أو من غيرها، فكل ذلك يصح حتى ولو كان من العقار، فإن قال: من وجد لي سيارتي الضائعة أعطيه أرضية في موضع كذا وكذا، فيصح أن يجعل الشيء من العقار، فهذا عام شامل لجميل الأموال.

قال رحمه الله: [لمن يعمل له عملاً معلوماً].

كقوله: إن خطت لي قميصاً من نوع كذا وكذا، أو خطت لي ثوباً من نوع كذا وكذا، والجعالة قد تكون في بعض صور الإجارة المحرمة، توسعة من الله على العباد، فيقول له: من خاط لي قميصاً من نوع كذا وكذا، أو خاط لي ثوباً من نوع كذا وكذا، أعطيه كذا وكذا.

إذاً: لو قال مثلاً: من خاط لي ثوباً من نوع كذا أعطيه مائة، فخياطة الخياط عمل معلوم، أو يقول: من بنى لي جداراً ثلاثة أمتار في مترين، فهذا معلوم، فيجوز على العمل المعلوم.

وتجوز الجعالة على العمل المجهول، لقوله: [أو مجهولاً]، كأن يقول: من رد لي سيارتي الضائعة، والبحث عن السيارة الضائعة له وسائل عديدة وطرق متعددة، فإذا أطلق وقال: من رد لي سيارتي -أي: بأي طريقة وبأي وسيلة- أعطيه ألفاً أو أعطيه ألفين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>