للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[وجوب سداد الحقوق التي على الميت بعد موته]

قال رحمه الله: [ويُخرج الواجب من دين وحج وغيره من كل ماله بعد موته وإن لم يوص به] قوله: (يخرج الواجب)، أي: يجب على ورثة الميت أن يتّقوا الله عز وجل في مورِّثهم، فيخرجوا من ماله الحقوق الواجبة، سواء كانت لله عز وجل، أو كانت للمخلوقين، فهم مسئولون أمام الله عز وجل عن إخراج هذا الحق، فالأصل يقتضي أننا نبدأ أولاً بمئونة التجهيز، فيجهز، ويغسل، ويكفن، ويُحمل، ويصلى عليه، ويدفن، وكل هذه الأمور إذا احتاجت إلى مئونة، فتكون من مئونة التجهيز.

ومن أهل العلم من قال: يُقضى الدين قبل مئونة التجهيز، وهذا لا شك -إِن تيسّر- أنه من أبر البر للوالدين، ومن أعظم الصلة للقريب، ومن أفضل ما يقدَّم للميت؛ أن تُبرأ ذمته وتقضى الحقوق عنه قبل أن يُغسّل وقبل أن يُفعل به شيء؛ حتى إذا ترحم الناس عليه وسألوا الله له المغفرة يكون خالصاً من حقوق الناس وبريئاً من عهدهم، فهذا لا شك أنه من أفضل ما يكون؛ أن يُقضى الدين، ويُبادر به مبادرة تامة.

فإذا قُضي ابتدئ بعد قضاء الدين بمئونة التجهيز على القول الذي ذكرناه، ثم بعد ذلك إذا لم يقض الدين وابتدئ بمئونة التجهيز، فينظر في أصحاب الحقوق وأصحاب الديون، وتُسدد هذه الديون كاملة، ولا يجوز للورثة أن يُؤخِّروا سداد الدين؛ لأن كل من مات حلّت ديونه حتى ولو كان الدين على أقساط لعدة سنوات؛ لأن القاعدة تقول: إن من مات حلّت ديونه، فلو أن شخصاً اقترض مائة ألف على أن يكون سدادها على عشر سنوات، ثم توفي في السنة الأولى، فهنا تصبح المائة ألف حالة عليه، أي: يجب أن تُسدد فوراً، والسبب في ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نفس المؤمن معلقة بدينة) أي: مرهونة به، نسأل الله السلامة والعافية، وكذلك بيّن نص الكتاب، فقال تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:١٢] {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:١١] {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:١٢]، فقدم سبحانه وتعالى الدين والوصية على قسمة التركات وإعطاء الوارثين حقوقهم، فالواجب أن يُبدأ بسداد الدين؛ لأن أمر الدين عظيم، فإذا جُهز الميت نُظِر في ديونه العامة والخاصة، وديونه فيما بينه وبين الله عز وجل، وديونه التي بينه وبين العباد.

فدُيونه التي بينه وبين الله تبارك وتعالى مثل أن يكون عليه دم واجب لفوات واجب في حجه، أو عليه فدية أو كفارة ظهار، ونحو ذلك من الحقوق الواجبة على الميت لله سبحانه وتعالى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أرأيت لو كان على أمكِ دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم.

قال: فدين الله أحق أن يقضى).

<<  <  ج:
ص:  >  >>