للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إخراج الواجب من مال الميت وإن لم يوص به]

قال رحمه الله: [ويُخرَج الواجب كله من دين وحج وغيره].

(من): بيانية، كقوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البينة:١]، فـ (من) هنا بيانية، وقد بين المصنف رحمه الله أن من الواجب الدين، وأن من الواجب الحج، فمثّل للدين بحقوق العباد، ومثّل للحج بحق الله عز وجل، ومن مات ولم يحج حج عنه وليه.

ويجب أن يُستأجر عنه إذا كان الولي لا يريد أن يحج، أو لا يتيسر له الحج، فيُستأجر من يحج عنه، وتدفع له مئونة الحج، ونفقة الحج ذهاباً وإياباً.

ثم إما أن يُحدد موضعاً، فيقول له: حج عني من المدينة، فعند ذلك يجب أن يلتزم بوصيته، وإما أن يكون قد توفي أثناء الحج ولم يكن قد فعل الواجبات، فيوصي أن يكمل عنه، فيُكمل من الموضع، ويكون إحرامه من الموضع الذي توفي فيه، وإما أن يُطلق، فإذا أطلق قال بعض العلماء: إذا وجب عليه الحج وقصّر حتى توفي فيجب الإحرام من الموضع الذي هو فيه؛ لأن الوكيل منزّّل منزلة الأصيل، فلو كان من أهل المدينة فلا يصح أن نقول لرجل من أهل جدة: حج عنه، فيحرم من جدة؛ لأنه وجب عليه وتعين عليه أن يحرم من المدينة، وهو الميقات الأبعد، فلا يحرم من ميقات أدنى إذا وجب عليه من الأبعد، وهذه مسألة صحيحة تشهد الأصول الشرعية بصحتها؛ لأن النائب عن الإنسان في الحج قائم مقامه، وعلى هذا يجب أن يحج عنه من الموضع الذي وجب عليه الحج وقصّر فيه؛ لأن ذمته مشغولة بالحج على هذا الوجه.

وعلى كل حال: يجب أداء الحج عن الميت إذا ترك، سواء وصّى أو لم يوص، وعلم وارثه بذلك.

قال رحمه الله: [من كل ماله بعد موته وإن لم يوص به].

أي: الواجب، فإذا كان الحج حج نافلة، فيُحج من الثلث، ولا يُحج من أصل المال، وينبغي أن تفرَّق بين أمرين: فالحقوق والواجبات والديون تُقضى قبل قسمة المال، أو التركة عموماً، فهي في رأس المال، لكن بالنسبة للوصايا والصدقات، وما خصص شيئاً داخل الثلث، فهذه يتقيد فيها بالثلث، فيُنظر فيها بعد الانتهاء من الوجبات، وهذا هو الفرق بين الأمرين، فبيّن رحمه الله أنه يُقضى الواجب من كل تركته، ويُبدأ به؛ لورود النص في كتاب الله عز وجل بالأمر بكتابة الوصية والدين على قسمة المواريث.

قال رحمه الله: [فإن قال: أدوا الواجب من ثلثي؛ بُدئ به].

وذلك لأن الثلث في الحقيقة يُؤخَّر من حيث الأصل، أي: يؤخر على الدين الواجب، فإذا أدخل الواجب في الثلث بُدئ به، وكونه واجباً ثم جعله في الثلث لا يُسقط ذلك مرتبته؛ بل يبدأ به، وهذا هو مراد المصنف.

فمثلاً: الميت عليه دين عشرة آلاف ريال، فقال: لصالح عليّ عشرة آلاف ريال، أدُّوها من الثلث، فيُبدأ بها، ولا يقال: إنها وصية في الثلث فتوفر، بل يُبدأ بها؛ لأن الدين الواجب يُبدأ به قبل قسمة المواريث، وعلى ذلك فتقدم، وكونها واجبة، وكونه يجعلها في الثلث، لا يقتضي تأخيرها عن مرتبة الوجوب كما ذكرنا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>