للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم صلاة وترين في ليلة]

السؤال

ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا وتران في ليلة)؟

الجواب

قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الثابت: (لا وِتران في ليلة) يدل على مسائل: المسألة الأولى: أنه لا يجوز للمسلم أن يُصلي وترين في ليلة ويقتصر عليهما؛ لأن الوتر ينبغي أن يكون آخر الصلاة حتى يكون العدد وترياً لا شفع فيه، فإذا صلى وِترين في ليلة واحدة فقد شفع الوتر الأول بالوتر الثاني، وبناءً على ذلك: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقال: (لا وِتران في ليلة).

المسألة الثانية: دل هذا الحديث على أن الوتر ينقض الوتر؛ لأنه لما نهى عن أن يوتِر وترين، دل على أن الوتر الثاني مؤثر في الوتر الأول، ومن هنا أخذ جمهور العلماء رحمهم الله جواز نقض الوتر بالوتر، ثم بعد ذلك يصلي شفعاً شفعاً ثم يوتر، كما أُثر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فيما لو أَوتر أول الليل ثم نام، ثم قام آخر الليل فإنه يُصلي ركعة ينقض بها الوتر الأول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)، فلما قام آخر الليل وأراد تحصيل هذه السنة التي أمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم بجعل آخر الصلاة وتراً، فإنه ينقض الوتر الأول بركعة، ثم يصلي ركعتين ركعتين ثم يوتر.

المسألة الثالثة: قوله: (لا وتران في ليلة)، هذا محمول على الوتر النافلة، فيخرج من هذا وتر الفريضة مع النافلة؛ لأن المغرب وتر، والوتر للنوافل وتر، فصارا وتران في ليلة، فالمراد من هذا الوتر في النوافل، وإلا هناك وتران: وتر المغرب، ووتر النافلة، فقال العلماء: إن المراد بالحديث وتر النافلة، والمغرب وتر الفرائض، فجعلوا المغرب وتراً للفرائض، وجعلوا الوتر الشرعي وتراً للنوافل.

وفي الحقيقة: جعل المغرب وتراً للفرائض محل نظر، لأنه لو كان هناك وتر للفرائض لكانت العشاء ثلاثاً، لأن الوتر يكون آخرها، ومما يضعف هذا القول: أن الوتر يبتدئ بدخول وقت صلاة العشاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أمدكم -وفي رواية: زادكم- بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، الوتر جعله الله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر)، فدل هذا على أن وقت الوتر يبتدئ بصلاة العشاء.

وفائدة هذه المسألة: أنك لو كنت في سفر وجمعت بين المغرب والعشاء في وقت المغرب، وأردت أن تصلي الوتر فنقول: تأخَّر حتى يدخل وقت العشاء ثم صل الوتر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جعله الله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر).

وقال بعض العلماء: قوله: (جعله الله لكم فيما بين صلاة العشاء): وقوعاً، وليس المراد وقتاً، بحيث لو صلى العشاء متبوعة مع المغرب ثم أوتر، فقد وقع وتره ما بين عشائه وفجره، فيرخِّصون من هذا الوجه، والأحوط أنه ينتظر إلى دخول وقت العشاء.

المسألة الرابعة والأخيرة: في هذا الحديث فضيلة للوتر؛ لأن الله وتر ويحب الوتر، وإذا صلى الوتر مع الوتر لم يتحقق له وِتره؛ فأُمِر بأن يقتصر على وتر واحد تحقيقاً لهذا الأصل، واعتباراً لهذا الفضل، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>