للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عدم جواز وطء المسبية إلا بعد استبرائها]

قال رحمه الله: [والمستبرأة من غيره].

قوله: (والمستبرأة من غيره) المستبرأة من البراءة، وهي: التي تطلب براءة الرحم، مستبرأة من غيره مثلما يقع في الإماء، يقول الله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:٢٤] لا يحل للمسلم أن يطأ أو يتزوج امرأة مزوجة بغيره، إلا في حالة واحدة وهي: أن تكون كافرة، وتؤخذ أسيرة، وكانت زوجة لكافر قبل أن تسبى وتسترق، فإذا أخذت بالسبي يلغى نكاح الكفار، ويصير لها بحكم السبي حكم جديد، ولذلك قال الله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:٢٤]، فالسبي والنساء المسترقات في السبي يجوز وطؤهن، ولو كن زوجات للكفار قبل القتال وقبل الجهاد، فبالجهاد نشأ حكم جديد، فألغي زواجهن الأول وأصبحن ملكاً؛ لأنه لو لم يكن هذا لما وقع شيء اسمه ملك يمين، فقال الله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:٢٤] فاستثنى الله عز وجل الوطء بملك اليمين للمحصنة، لكنها تُسْتَبْرَأُ فلا يجوز وطؤها قبل الاستبراء؛ لأنه إذا وطأها ولم يستبرئها فإنه يدخل ماءه على ماء الكافر قبله، وهكذا لو كانت المرأة منكوحة لغيره ووقع الوطء شبهة، لا بد أن يستبرئها إذا كانت موطوءة من غيره، وسنتكلم إن شاء الله على العدد وأحكام الاستبراء في بابها إن شاء الله، والدليل على أن المستبرأة لا توطأ حديث سبي أوطاس، وذلك لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يريد أن يلم بالمسبية، يعني: يطأها، هذه المرأة المسبية كانت فراشاً للذي قبل، وفيها حمل بيّن، والمفروض أنه ينتظر حتى تضع حملها، وحينئذٍ يستبرئ الرحم، ويصبح خلواً له، فيطأ بملك اليمين، لكن ما يجوز أن يأتي بمسبية حامل ويطأها؛ لأن هذا يدخل ماءه على ماء غيره، فقال صلى الله عليه وسلم -لما رآه على باب الخيمة وهو يلم بها-: (أيلم بها، أيغذوه في سمعه وبصره -يعني: لو وطأها وهي حامل لانتشى ولد غيره بمائه- لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره)، وفي هذا يقول بعض العلماء: إن هذا يدل على عظم أمر الزنا؛ لأنه إذا زنى وأدخل على أهله ولداً ليس منهم، وأغذاه في سمعه وبصره -والعياذ بالله- وأدخل من يطعم من طعام قوم لا يحل له أن يطعم، ويشرب من شراب قوم لا يحل له أن يشرب، وأن ينظر إلى نسائهم وهم ليسوا بمحارم، فكل هذا من الآثار المترتبة على اختلاط الماء، ولذلك قال: (أيغذوه في سمعه وبصره، لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره)، فهذا يدل على أنه لا يجوز الوطء للمرأة التي علق ماؤها من الغير، وكذلك لا يجوز وطء معتدة غيره وامرأة غيره بعد فراقهما إلا بعد استبرائهما.

<<  <  ج:
ص:  >  >>