للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حرمة تزوج المسلم بالكافرة باستثناء الكتابية]

قال رحمه الله: [ولا مسلم ولو عبداً كافرة إلا حرة كتابية].

لا يجوز للمسلم أن يتزوج الكافرة؛ وهذا من الولاء والبراء الذي يقوم عليه دين الإسلام، فلا يجوز للمسلم أن يوالي أعداء الله عز وجل، والنكاح بطبيعة الحال مداخلة، وفيه من الود والمحبة ما قد يؤثر على الدين، وفتنة الدنيا قد تعمي البصيرة والعياذ بالله، ولذلك قطع الله عز وجل الروابط بين المسلمين والكافرين، وقدم حق الإسلام وحق طهارة العقيدة وسلامتها من المؤثرات والدواخل على شهوات النفوس؛ لأن البديل موجود، وفي الإسلام غناء عن الكفر، فلا يجوز للمسلم أن يتزوج الكافرة، فالكافرة شر وبلاء، وإن كان رجلاً قوياً قادراً على كفها ومنعها من التسلط عليه إذا أرادت أن تغويه، فإنه لا يستطيع أن يمنع سلطانها على أولاده، فإن الأم لها قوة ونفوذ على الأولاد، ولذلك أصبح لهذا الأمر خطران: خطر على الزوج، وخطر على الأولاد.

أضف إلى ذلك: أنه ما من رجل مسلم ينكح امرأة كافرة إلا وسيدخلها على قومه وجماعته وبيئته، فربما أغوت وأضلت كما ضلت، فكانت غاوية مغوية لغيرها فتفسد بيئة المسلمين، ولو أن كل مسلم ذهب وأتي بكافرة فُتن بجمالها، ثم أتى بها إلى بلاد المسلمين فإن هذا يدمر الإسلام، ويحدث فجوة عظيمة داخل البيوت وداخل الأسر، وأعظم ما تقوم عليه الأمم والمجتمعات الأسرة، وهو الكيان الذي منه ينطلق صلاح المجتمع، فلابد أن تكون قائمة على تقوى الله عز وجل، وتؤسس على تقوى من الله ورضوان، وتؤسس على صلاح الدين والإيمان بالله عز وجل.

فلا يجوز نكاح الكافرة: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة:١٠] فحرم الله عز وجل الإمساك بعصم الكوافر، وحرم نكاح المشركات: {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة:٢٢١] فحرم نكاح الكافرات، لكن استثني الكتابية؛ لأن الكتابية لها دين سماوي، وأَلِفَتِ التعبد بذلك الدين السماوي، فهناك مدخل أن يؤثر عليها للإسلام، فيتزوجها وفي نيته أن يصلحها، ويقدم حق الله عز وجل على حق نفسه، ففي هذه الحالة الزواج من الكتابية على مطمع إسلامها مباح في أصل الشرع، وجماهير السلف رحمهم الله والخلف والأئمة والفتوى على جواز نكاح الكتابية؛ لأن الله يقول: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة:٥]، فنصه سبحانه وتعالى على حلّ المحصنات من أهل الكتاب، ويستوي في ذلك اليهود والنصارى.

وعند العلماء تفصيل: بعض العلماء يقول: يشترط أن تكون كتابية الأبوين، يعني: والدها كتابي وكذلك أمها كتابية، فإن كانت من أحدهما لم يصح، وظاهر القرآن أن العبرة بها؛ وذلك لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة:٥]، فإن كانت هي تدين بدين أهل الكتاب حلّ نكاحها على نص القرآن وظاهره، وهذه التفصيلات فيها محل اجتهاد ولا تخلو من نظر.

لكن مسألة الزواج من الكتابيات أمر يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والعصور والدهور، فلا يفتح باب النكاح من الكتابيات، ففي زماننا من المجرب والمعروف أنه شر عظيم وبلاء عظيم، وقوة نفوذ أهل الكتاب خاصة في العصور المتأخرة، فإن المرأة الكتابية قد تتزوج المسلم ثم بعد ذلك تأخذ أولادها منه بالقوة وتنتزعهم منه شاء أو أبى، وتستطيع أن تستغل نفوذاً أوسع من نفوذها، ولذلك لابد من فقه الفتوى في الزمان، والنظر إلى ما يجر على المسلمين ومجتمعات المسلمين من فتح هذا الباب من الشر العظيم والبلاء الوخيم، إضافة إلى ما يعرف منهن من أن بعضهن لا يعرفن إلا التهتك، يعني: ليس عندهن إلا الاسم فقط من كونهن كتابيات، والتهتك والعهر والفساد -والعياذ بالله- منتشر بينهن، أضف إلى ما عرف منهن من الكيد للإسلام والخديعة للمسلمين، والتظاهر بمحبة الإسلام من أجل أذية المسلمين، ولذلك لابد من وضع هذه الأمور كلها في الحسبان، فلا نأتي ونقول مثلاً: الله أحل لنا نساء أهل الكتاب، بل أحل لك أن تنكح المرأة المسلمة؛ لكن إذا أردت أن تتزوج امرأة مسلمة ولكنها شريرة، وتؤذي جيرانها، وتؤذي أهلك، ولربما كانت نمامة تنقل الحديث، هل يحل لك أن تدخلها على بيئتك ومجتمعك، أم تقف أمام حدود الله ونصوص الشرع من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فتتقي الله في جيرانك وأهلك وأمتك ومجتمعك؟ كذلك أيضاً أهل الكتاب في زماننا، فإننا وإن وجدنا النص يحل نكاح النساء منهم، ونظرنا إلى الواقع والحقيقة وما يجر ذلك من تبعات وأضرار، فإننا نعطي كل زمان حقه وقدره، فنقول: من أراد أن يأخذ بهذا الحلال، ينبغي أن يضع في حسبانه جميع الآثار والسلبيات والنتائج المترتبة على مثل هذا، والله عز وجل بمنه ورحمته قد أغنى المسلمين عن أمثال هؤلاء، وإنما يقع هذا خاصة في القديم حينما كان أهل الكتاب أهل ذمة وتحت المسلمين، وكانوا يتأثرون بالمسلمين، فالمرأة كانت تحب الإسلام، وهذا كان يقع في المجتمعات التي كان فيها أهل ذمة، ولكن بحكم بيئتها لا تستطيع أن تسلم، فإذا انتزعها المسلم من تلك البيئة وجاء بها أسلمت، ووقع هذا في عصور حينما كانت العزة للإسلام وأهله، ولا زالت والحمد لله العزة للإسلام وأهله، ولكن هناك أمور لابد من وضعها في الحسبان، ولا ينبغي أن نفتح الباب هكذا.

هناك بعض الباحثين كتب في هذه المسألة ورغّب وبيّن أنه حق، وبعض المحاضرين أتى بمحاضرة في نكاح الكتابيات وأنه أمر جائز، دون التفات إلى السلبيات والآثار التي ينبغي وضعها في الحسبان، فالشيء يكون حلالاً، لكنه في زمان يحتاج إلى نظر وتأمل، لا نقول: إننا نحرمه، ولكن نقول: من أراد أن يقدم على هذا الشيء، فعليه أن ينظر إلى الآثار السيئة الموجودة المترتبة على هذا الشيء، ثم يقارن: هل يستطيع أن يلقى الله سبحانه وتعالى وقد دفع عن الأمة وعن نفسه وعن ذريته وأهله وولده هذه كلها، أم أنه مستعد لأن يلقى الله سبحانه وتعالى بتبعة ذلك وسيئاته وآثامه؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>