للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[اشتراط عدم الزواج على الزوجة]

قال رحمه الله: [ولا يتزوج عليها] وهذا أشد وأعظم؛ لأن الرجل بهذا يمتنع مما أحل الله له، ومع ما فيه من مصلحة الأمة، ومصلحة الجماعة والأفراد، وصورة المسألة أن تقول له: أرضاك زوجاً بشرط ألا تتزوج عليَّ، فمثل هذا الشرط اختلف فيه العلماء رحمهم الله سلفاً وخلفاً: فأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعمرو بن العاص وسعد بن أبي وقاص، وكذلك قال به طاووس بن كيسان تلميذ ابن عباس، وقال به الأوزاعي فقيه الشام وطائفة كـ إسحاق بن راهوية من أهل الحديث أن هذا الشرط صحيح ويجب عليه أن يفي للمرأة بما التزم به، فإن قالت: أشترط أن لا تكون لك سابقة ولا لاحقة ولا تتزوج عليَّ، فإنه يجب عليه الوفاء، واحتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج) وذهب طائفة من العلماء كما هو مذهب جمهور العلماء سلفاً وخلفاً إلى أن هذا الشرط باطل، وأنه ليس من حقها أن تحرم عليه ما أحل الله له، واحتجوا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم:١] وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)، والذي في كتاب الله الندب والاستحباب لزواج الثانية والثالثة والرابعة: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:٣] فندب الله الأمة إلى تكثير سوادها وحصول الإعفاف لنساء المؤمنين، وهذه المرأة تحرم ما أحل الله لمصلحتها الذاتية، وكونها ذات غيرة فإن هذه الغيرة ضرر خاص بها لا تستضر به جماعة المسلمين، وكم من مطلقة وأرملة تحتاج إلى من يعفها ويسترها وقد تكون ابنة عم وقد تكون ابنة خال وقريبة فلا يستطيع أن ينكحها لوجود هذا الشرط.

ومن تأمل الواقع وجد أن الشرع يؤكد أن هذا الشرط باطل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ألغى الشرط الذي يعارض كتاب الله عز وجل، فهو يقول: (كل شرط ليس في كتاب الله) والذي في كتاب الله: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:٣] ولا يستطيع الشخص أن يدرك خطر هذا الشرط إلا إذا نظر إلى رجل عنده امرأة تزوجها ونكحها وأنجب منها أولاداً، فإذا قلنا بصحة الشرط وثبت أن للمرأة هذا الشرط فمعناه أنه متى نقض الشرط كان لها الخيار، فإذا نقض الشرط وقالت: لا أريده، تنفسخ مباشرة، ولا يستطيع إرجاعها إلا بعقد جديد، وهذا معروف عند من يعمل بهذا الشرط، فوجدنا هذا الضرر وهذه المفاسد العظيمة، فمن كان عنده أولاد لا يستطيع أن يتزوج الثانية لعلمه أن أولاده سيستضرون بطلاق هذه وانفساخ عقدها فهذا كله مما يعارض هذا الشرط.

والأصل حل نكاح الثانية والثالثة والرابعة، فالمرأة إن أرادت أن تتزوج اشترطت شروطاً لا ضرر فيها قبلنا، وإلا رددنا كل ما صادم كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأوجب الحرج على المسلمين، فضيق ما وسع الله على عباده، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أحل أشياء فلا تحرموها، وحرم أشياء فلا تحلوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان) فلا يليق بالمسلم أن يحرم ما أحل الله له ابتغاء مرضات النساء والأزواج كما نص الله عز وجل على تحريم ذلك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>