للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مقدار الدم الذي يعفى عنه]

يبقى

السؤال

ما الفرق بين الدم القليل الذي يعفى عنه والدم الكثير؟ الدم القليل والدم الكثير للعلماء في ضابطه وجهان: قال بعض العلماء: يسير الدم ما كان قدر الدرهم البغلي.

وقال بعضهم وهو الوجه الثاني: يسير الدم: هو الذي لا يتفاحش في النفس.

والسؤال: ما الفرق بين القولين؟ أولاً: الذين قالوا: يسير الدم هو مقدار الدرهم البغلي، فما هو الدرهم البغلي؟ الدرهم البغلي على قدر الهللة القديمة، أي: القرش الموجود الآن ينقص منه قليلاً، فهذا هو الدرهم البغلي، فلو خرج من الجرح دم على قدر هذا البياض؛ فإن هذا معفو عنه، ولو نقص عنه فهو معفو عنه أيضاً، فإن جاوزه وكان أكثر من هذا القدر فلابد من غسله، ولابد من إزالة تلك النجاسة إلا إذا وجد ضرراً.

ثانياً: الذين قالوا: ما لا يتفاحش في النفس، قالوا: هو الذي إذا نظرت إليه احتقرته، وقلت: هذا قليل، ولاشك أن القول الأول -أي: أنه بمقدار الدرهم البغلي- هو الذي عليه قول المحققين من العلماء رحمة الله عليهم.

ثم الذي يتفاحش في النفس، لو قلنا: إنه هو الضابط، لاختلف الناس، فقد يكون اليسير عندي كثيراً عند غيري، ثم يدخل باب الوسوسة، فتجد الموسوس لو عثرت بثرة صغيرة لقال: هذا من الدم الكثير الذي لا يغتفر؛ لأنه موسوس لا يستطيع أن يفرق بين القليل والكثير، ولذلك فالقول بأنه ما لا يتفاحش في النفس يؤدي إلى اختلاف الأحكام؛ فقد يصلي الرجلان أحدهما عليه بقعة دم كبيرة، فيقول هذه قليلة وليست متفاحشة، ويصلي الآخر بجواره وعليه ما هو أقل ويحكم على نفسه بعدم صحة صلاته؛ فتختلج الأحكام، والأقوى أنه قدر الدرهم البغلي.

السؤال الأخير: إذا علمنا أن يسير الدم معفو؛ فهل يشترط فيه الانحصار أو يستوي فيه الانحصار والانتشار؟ مثال ذلك: لو أن إنساناً عنده بثرة في يده، وبثرة في وجنته، وبثرة في يده الثانية، فلو أن كل واحدة من هذه البثرات أخرجت قليلاً من الدم، بحيث لو جمعت هذه الثلاث فإنها لا تصل إلى قدر الدرهم، فتقول: الحكم يستوي فيه أن يكون منتشراً أو يكون منحصراً، وبناءً على ذلك يرخص للإنسان إذا كان الدم قدر الدرهم فما دون أن يصلي؛ ولكن محل هذا كله كما قال المصنف: (في غير مائع) بحيث ما يقع في المائع؛ والسبب في هذا: قضية القلتين؛ فإنهم يرون أن المائع إذا وقع فيه النجاسة أثرت فيه سواءً كانت قليلة أو كثيرة، وقد قلنا: إن الصحيح: أن العبرة بالتغير والتأثر، وهذا هو الذي اختاره العلماء ودلت عليه السُّنة كما بيناه في موضعه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>