للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم المطلقة قبل الدخول إذا لم يسم المهر]

قال رحمه الله: [وإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة بقدر يسر زوجها وعسره] أي: وإن طلقها المفوض، وهم يقولون: مفوِّضة ومفوَّضة، يقولون: امرأة مفوِّضة إذا فوضت لوليها أو للزوج أو لأجنبي، ومفوَّضة أي: فُوِّض أمرها إلى الغير.

إذا طلقت هذه المفوَّضة قبل الدخول، ففي هذه الحالة ليس عندنا فريضة وليس هناك مهر مسمى، فالشريعة جاءت بأنه إذا وقع فراق وطلاق قبل الدخول وليس هناك مسمىً فإن للمرأة المتعة؛ لأن الله تعالى يقول: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:٢٣٦].

وفي الآية الثانية قال في المطلقة عموماً: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة:٢٤١] وذكروا عن شريح أبي أمية القاضي الكندي رحمه الله -وكان ولي القضاء لثلاثة من الخلفاء الراشدين، فنعم المولي ونعم المولى، ولي لـ عمر وعثمان وعلي رضي الله عنه وكان إماماً في القضاء- أن رجلاً طلق امرأة فأمره أن يمتعها فأبى، فتلا عليه الآية الأولى، فامتنع، ثم تلا عليه الآية الثانية، فامتنع، الآية الأولى: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:٢٣٦] والآية الثانية: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة:٢٤١] فأصر الرجل وقال: ما دامت متعة وليست بواجب فلا أريد أن أمتعها، من غضبه من زوجته -نسأل الله السلامة والعافية- صم وعمي عن أمر الله عز وجل وندبه، فشاء الله عز وجل أن تمر الأيام فاحتاج قوم إلى شهادة هذا الرجل، فجاءوا به إلى شريح فقال: والله لا أقبل شهادته، إنك أبيت أن تكون من المحسنين، وأبيت أن تكون من المتقين، فاصرف وجهك عني، فطرده ولم يقبل شهادته؛ لأن المؤمن لا يرد هذه الأوامر الشرعية ولا يستخف بها، والله يقول: {وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة:٢٣٧]، ولذلك لا ينبغي إذا وقع الطلاق والفراق أن ينسى كل من الزوجين الآخر، بل ينبغي أن يكون هناك نوع من الحفظ للعهد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (حفظ العهد من الإيمان).

فلو سُئلت عن المطلقة قبل الدخول، تقول: لها حالتان: إن كانت قد سمي لها المهر فنصف ما سمي.

وإن لم يُسَمَّ المهر فلها المتعة حقٌ واجبٌ على المحسنين، والدليل قوله تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:٢٣٦] أي بما جرى عليه العرف، أو بالمعروف، والمعنى: أنه يمتعها مصاحباً للمعروف، بدون منة، فلا يعطيها المتعة يمتن بها، أو يؤذيها أو يصيبها بنوع من الإضرار، إنما يكون هذا بالمعروف على سبيل المكارمة على الوجه الذي أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم: {مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:٢٣٦].

فهذه الآية تدل دلالة واضحة على إثبات المتعة، والمتعة تكون بالمعروف، أي: على حسب حال الزوج، فإن كان الزوج غنياً نظر في مثله، فمثلاً: لو جرى العرف أن مثله يمتع بهدية بثلاثة آلاف أو أربعة آلاف، فيشتري لها ذهباً بثلاثة آلاف ويبعثه إليها.

والسبب في أن الله جعل على الموسع قدره وعلى المقتدر قدره: أنه إذا كان من بيئة غنية فالله يريد أن يربط بين الزوج والزوجة بحفظ العهد، فحينما يعطيها شيئاً يليق بغناه ويسره تكون فعلاً هدية، ويكون لها معنى الهدية، لكن حينما يكون غنياً ثرياً بسط الله عليه من رزقه ويأتيها بشيء تافه يصبح بدل أن يتضمن معنى المكارمة يصبح متضمناً لمعنى الإهانة، فيخرج عن مقصود الشرع.

فإذاً لابد أن ينظر إلى حال الزوج، وأن يتقي الله عز وجل فيما أمره الله به وندبه إليه.

قال رحمه الله: [ويستقر مهر المثل بالدخول].

إذا دخل الزوج على زوجته وهي مفوضة فيستقر مهر المثل بالدخول، ويثبت في هذه الحالة، ويكون حقاً كاملاً لها.

قال رحمه الله: [وإن طلقها بعده فلا متعة].

أي: طلقها بعد الدخول فلها المهر كاملاً، وليست من الممتعات، يريد أن يقول: إنه يثبت لها المهر.

وقوله: (فلا متعة) ليس المراد أنه ما لها شيء، إنما مراده أنها لا تصبح من ذوات المتعة، وإنما تصبح من ذوات الصداق، أي: اللاتي لهن المهر والصداق كاملاً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>