للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم إجابة الدعوة لوليمة العرس]

قال رحمه الله: [وتجب في أول مرة إجابة مسلم يحرم هجره إليها].

يجب على المسلم أن يجيب دعوة أخيه المسلم إذا دعاه إلى وليمة النكاح، ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن حق المسلم على أخيه المسلم إذا دعاه أن يجيب.

قال العلماء: شدد في وليمة النكاح؛ لأنه إذا لم يجب كسر خاطر أخيه المسلم، ولربما قابله بنفس الفعل فتتقطع أواصر الأخوة بين المسلمين، وفي ذلك من المفاسد والأضرار ما لا يخفى.

ولذلك شُدِّد في وليمة النكاح أكثر من غيرها؛ لأن مقصود الشرع: الإشهار، والإشهار لا يقع إلا بالحضور، فإذا حضروا وعلموا اشتهر، فيجب عليه أن يجيب.

قال: (أول مرة) الذي هو أول يوم، وكانوا في القديم ربما استمرت الولائم ثلاثة أيام، وكانت هذه عادة موجودة في بعض المناطق، ولا تزال في بعض البيئات، وكانت في القديم لمشقة السفر، فيجعلون أول يوم في بعض الأحيان للقرابة، حيث كانت أحوال الناس ضيقة، وكان من الصعوبة أن تجمع لك الألف والألفين على طعام واحد، فكانوا يجعلون الإكرام أولاً للقرابة، ثم اليوم الثاني يقوم القرابة بإكرام الجيران ونحوهم، وربما جعلوها ثلاثة أيام، فقالوا: إذا كانت ثلاثة أيام فاليوم الأول هو الذي تجب فيه الإجابة، فإذا دعيت للمرة الثانية في اليوم الثاني فإن هذا موسع عليك فيه، إن شئت أجبت وإن شئت تركت، وأما اليوم الثالث -كما جاء في حديث أبي داود - فإنه رياء وسمعه؛ لأنهم إذا فعلوا الطعام في اليوم الأول وفي اليوم الثاني فلا حاجة لليوم الثالث، فما هو إلا مبالغة.

وأخذ بعض العلماء من هذا: أن التوسّع في الولائم يسقط الحق، فإذا فعل وليمة فيها نوع من الإفراط والمبالغة فمن حقك أن تتخلف عن هذه الوليمة.

وأيَّاً ما كان فقالوا: إن اليوم الأول حقه؛ لأنه هو الأصل في إجابة الدعوة، فلو كرر اليوم الثاني ودعاك مرة ثانية أن تحضر فأنت بالخيار إن شئت حضرت وإن شئت لم تحضر، وأما اليوم الثالث فإنه يوم رياء وسمعة فلا يُحضر، ولذلك كره العلماء رحمهم الله الحضور في هذا اليوم الثالث، وهذا الذي جعل المصنف يقول: (أول مرة) ومراده: إذا وقعت أكثر من يوم، وفي حكم أكثر من يوم: ما يفعله بعض الناس في أعرافهم الآن بأن يصنع غداءً وعشاءً وغداءً في اليوم الثاني، فيجعلون الغداء قبل الدخول بالمرأة، والعشاء ليلة الدخول، والغداء في اليوم الثاني بعد الدخول.

ولا شك أن في هذه الأمور كلها إضراراً بأهل الزوجة والزوج، وكلها مبنية على شيء من العادات التي كثير منها أشبه بإضاعة الأموال أكثر من تحقيق المصالح الشرعية، فإنه إذا جاء الناس مرة واحدة فما الداعي أن يدعوا مرة ثانية؟! إذا كان المقصود الإشهار فقد حصل في المرة الأولى، صحيحٌ -كما ذكرنا- في القرى والمناطق الضيقة قد يوجد الضرر بدعوة الناس جميعاً مرة واحدة، فهذا وسع فيه بعض العلماء، لكن لا تكرر الدعوة للشخص الواحد، فإن كررت جرى الحكم على التفصيل الذي ذكرناه، فيكون أهل الزوجة والزوج معذورين في دعوة الناس مرتين أو ثلاثاً لضيق المكان وضيق الحال وعدم القدرة على احتواء الناس؛ لكن بمخالفة أنواع الناس، كأن يدعوا القرابة يوماً ويدعوا الناس الآخرين يوماً ثانياً.

فلو وقعت الوليمة بدعوة القرابة في النهار، ودعوة غير القرابة مع القرابة في الليل فلا بأس، فأحضر وأتجمل مع قرابتي وأقوم بحقوقهم، وأحرص في يوم القرابة أن أكون موجوداً لما فيه من صلة الرحم، يقول العلماء: وتكون إجابة الدعوة مغلظة بالقرابة، فإجابة القريب أعظم من إجابة الغريب، وإجابة الجار أعظم من إجابة غير الجار، فتتفاوت مراتبها، وتكون الإساءة بتركها أعظم على حسب حق الداعي.

<<  <  ج:
ص:  >  >>