للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم إجابة دعوة المبتدع]

ومحل الإجابة ألَّا يكون الداعي من جنس من أمر الشرع بهجره كالمبتدع، فإن أهل البدع يُهْجَرون، والمراد بذلك: البدع التي تكون في أصل الدين مما يوجب الخروج من الملة، وهي البدعة الكفرية، وهذا لا إشكال فيه، والبدعة الاعتقادية أشد ما يكون من البدع.

أما البدعة المختلف فيها في الأمور الفرعية مثل: شخص يقبض بعد الركوع في الصلاة، والشخص الآخر يقول: لا أقبض وأرى أن القبض بعد الركوع بدعة، فما يأتي ويقول: هذا مبتدع! إنما هو في حق نفسه إذا صنع هذا فهو سنة، وإذا تركه وهو لا يعتقد أنها سنة فلا يبدِّع من يقبض، ولا يأتي لشخص يقبض ويقول له: أنت تفعل بدعة! لا، وليس من حقه هذا بإجماع العلماء، فلو ترجح عندك دليل القبض بعد الركوع فتقبض وتعتقده سنةً وأنت مثاب على قبضك وعلى السنة؛ لأن عندك الدليل وعندك الحجة، وغيرك ممن لا يرى القبض بعد الركوع ليس من حقه أن يقول: أنت مبتدع، ويهجرك؛ لأن هذا لاعتقاده هو.

وكذلك جلسة الاستراحة، فلو كان يرى أن جلسة الاستراحة بدعة للشاب والقادر والجلد، ويراها سنة للعاجز المحتاج كما في حديث مالك بن الحويرث، والآخر يراها سنة مطلقة فجلس وهو قادر على القيام مباشرة، فليس من حق من لا يراها أن يبدع من يراها، وهذا أمر ينبغي أن ينتبه له.

وعلى هذا نقول: إن المبتدع الذي يرتكب البدعة المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، يحكم بتبديعه ويهجر، وحكى غير واحد من العلماء الإجماع على هجر المبتدع، وأخذوا أصل ذلك من هدي النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمر الثلاثة الذين خلفوا أن يعتزلوا الناس، ألا يكلمهم الناس.

فمثل هذا إذا كنت مأموراً بهجره فإن إجابة دعوته تخالف الأمر بالهجر، فلذلك نص المصنف رحمه الله على أن المأمور بهجره من أهل البدع كالرافضي ونحوه لا تجاب دعوتهم؛ لأن فيه نوع إقرار لهم على ما هم عليه من البدع ومخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

وهكذا إذا كان هناك منكر كما سيأتي إن شاء الله، على التفصيل الذي سنذكره من حيث قدرته على تغيير المنكر وعدم قدرته.

<<  <  ج:
ص:  >  >>