للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[موجبات عقد النكاح]

قال رحمه الله: [وإذا تم العقد لزم تسليم الحرة التي يوطأ مثلها في بيت الزوج إن طلبه ولم تشترط دارها أو بلدها].

(إذا تم العقد لزم تسليم الحرة) في بيت الزوجية، فيلزم أولياءها أن يسلموها لزوجها، ما لم يكن هناك أمور جرى العرف أو اتفق الطرفان على التأخير من أجلها كتجهيزها، أو حدد يوم معين للإتيان بها، فيجوز التأخير إلى الأجل، أما غير ذلك فالأصل يقتضي أن الرجل من حقه أن يدخل على زوجته وأن تسلم زوجته إليه في بيت الزوجية.

(إن طلبه) طلب التسليم، فعندنا مسألة العقد ثم مسألة الدخول، فإذا ثبت أن هناك حقاً للزوج على زوجته، فإنه يبدأ من العقد، فابتدأ المصنف بالعشرة الزوجية والحقوق من العقد، وهذا من دقته رحمه الله، أنه يسلسل الأفكار ويتابع بعضها بعضاً، فابتدأ أول ما ابتدأ بما يترتب على العقد فقال: [إذا تم العقد وجب التسليم].

فعلى هذا حق الزوج على زوجته أن تسلمه وتمكنه من نفسها بمجرد العقد، هذا من حيث الأصل العام، وتبقى الأمور التي جرى عليها العرف والتراضي بين الطرفين، فهذه مختلفة بحسب اختلاف الأحوال.

لكن لو قال: أريد أن أدخل على زوجتي، فقال أبوها: لا، حتى تنتهي من دراستها، وقد عقد عليها وتم العقد، فليس من حق أبيها أن يحول بينها وبين زوجها، ولو رفع أمره إلى القاضي لألزمه القاضي أن يُسلم الزوجة إلى زوجها في بيته بيت الزوجية.

[ولم تشترط دارها أو بلدها] (ولم تشترط دارها) لو قالت: ما تدخل عليّ إلا في بيت أبي، فلا يجوز أن يخرجها، فلو طالب أهلها أن يأتوا بها إليه في بيت الزوجية لم يكن له ذلك؛ لأنهم اشترطوا عليه أن تكون عندهم، وقد تكلمنا على هذا الشرط: أن تشترط دارها أو بلدها.

فلو كان بلده بلداً غير بلدها كأن يكون في جدة وهي في المدينة فقال: تأتوني بها إلى جدة، وقد اتفقوا معه في الشرط أن تكون ساكنةً في المدينة عند أهلها، فعلى ما اختاره المصنف رحمه الله أنه شرط يجب الوفاء به، فليس من حقه أن يطالبهم بنقلها إلى جدة، بل تبقى؛ لأن المصنف يميل -كما هو قول بعض الصحابة رضوان الله عليهم- إلى أن الزوجة تلزمه بهذا الشرط وتبقى عند أهلها وفي دارها.

قال رحمه الله: [وإذا استمهل أحدُهما أمهل العادةَ وجوباً لا لعمل جهاز] وإن استمهلَ الرجلُ أولياءَ المرأةِ، أو أولياءُ المرأة استمهلوا الرجلَ وقالوا: أمهلنا، البنت مثلاً عندها ظرف، كما لو كانت مريضة وخافوا عليها أنها لو ذهبت إلى بيت الزوجية يشتد مرضها، قالوا: تمهلنا، فاستمهل عادةً؛ لأن العادة جارية أن مثل هذا النوع من النساء يُمْهَل، فيُمْهِلهم ويعطيهم المهلة بالمعروف، يعني: بما جرت به العادة والعرف.

(لا لجهاز) لو فُتِح الإمهال للجهاز لاختلفت أنظار الناس في الجهاز، وبالغ النساء في هذا، والجهاز يُقْصَد منه حظوة المرأة عند زوجها، فإذا هو استعجل وقال: أريدها، فأسقط حقه في الجهاز، فحينئذٍ لا يكون الجهاز عذراً يمنع من إجابة حقه، هذا وجهه، أن الجهاز في الأصل يراد به حظوة المرأة عند زوجها، فلو الزوج استعجل وقال: يريدها بدون جهاز، وهذه امرأته، وربما خاف على نفسه الحرام أو عنده ظرف، مثلاً: أخذ إجازة ثلاثة أيام فقالوا: نريد أن نجهزها يومين أو يوم، فقال: ما أريدها مجهزة، أريد امرأتي الآن، فهذا من حقه، ويجب عليهم أن يعطوها إليه عند طلبه، فهذا معنى قوله: (لا لجهاز).

قال رحمه الله: [ويجب تسليم الأمة ليلاً فقط].

(ويجب تسليم الأمة ليلاً) لأنها نهاراً ملك لسيدها، تخدم سيدها وتقوم بحقه، وإذا زوجها سيدها فقد أسقط حقه في المبيت، فلا يملك الزوج إلا المبيت، فإذا تزوج أمةً فلا يملك طلبها إلا في الليل للفراش.

قال رحمه الله: [ويباشرها ما لم يضر بها أو يشغلها عن فرض] فيجوز له أن يباشرها ما لم يضرها أو يشغلها عن فرض، فإذا استحق المرأة بنكاح حُقَّ له أن يباشرها وأن يجامعها وأن يدخل بها ويبني بها، فإذا خلا بها يباشرها؛ لأنها امرأته قال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:١٨٧].

{طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النور:٥٨] والله أحل المرأة لزوجها والزوج أحله لزوجته، فليس هناك مانع من المباشرة وغيرها من أمور الاستمتاع، وذلك يكون حلالاً بمجرد العقد.

لكن إذا عقد الرجل على المرأة وجرت العادة أنه ما يدخل بها إلا بعلم من أهلها، فمن القبيح أن يأتي إلى بيت أهلها زائراً ويطؤها ويدخل بها دون علم من أهلها؛ لأن هذا تترتب عليه مفاسد عظيمة، فلو أنه جاء إلى بيت الزوجية والمرأة بكر ودخل بها ووطئها، ثم خرج وحدث له حادث بمجرد خروجه، وصارت المرأة حاملاً، لقالوا: إنها زانية والعياذ بالله، واتُّهِمَت، ولا يمكن أن ينسب هذا الولد إليه؛ لأنه ليس هناك دليل يدل على أنه دخل بها، والمعروف والمتعارف به أنه يختلي بها من أجل الحديث، فإذا ادعت المرأة تكون حينئذٍ محلاً للتهمة، فمثل هذا تترتب عليه مفاسد عظيمة.

فالرجل يتوقف، ويكون من حق ولي المرأة -أبوها وأمها- أي: الأولياء بالعرف وليس بالحكم الشرعي؛ لأن الولاية للعصبة كما ذكرنا؛ لكن مَن يلي أمرها مِن حقه إذا استراب أن هذا الزوج متهتك، أو أنه يتساهل في بعض الأمور أن لا يُمَكِّنه، وحتى لو يجتمع بها يجتمع بها على طريقة يأمن منها أن يقع شيء؛ لأن بعض الناس قد يكون نسأل الله السلامة والعافية رجلاً شريراً وعنده نية سوء، فقد يصيب المرأة ويستمتع بها، ثم بعد ذلك ينكر، ويطالبها بالحقوق ويدعي عليها ما لم يكن، وقد يتأخر في الدخول عليها ويظهر بها حمل، فيضغط على أهلها ويدعي والعياذ بالله زوراً وبهتاناً أنه لم يطأها ولم يصبها، فيتلاعب بهم وهو لا يريد ابنتهم إنما يريد الإضرار بهم.

ونفوس الناس مختلفة -نسأل الله السلامة والعافية- ووقعت حوادث بسبب هذا، والأسر والجماعات التي تتساهل في مثل هذا تبوء بعواقب وخيمة، وسببها التساهل في مثل هذه الأمور.

فلا ينبغي في مثل هذا أن يُمَكَّن إذا عُرِف منه التهتك والتساهل في مثل هذا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>