للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم جثة الآدمي بعد موته]

قال رحمه الله: [ولا ينجس الآدمي بالموت].

(لا ينجس) أي: لا يحكم بكونه نجساً، بل هو طاهر، وهذا أحد قولي العلماء رحمة الله عليهم أن الآدمي لا ينجس بالموت.

وقال بعض العلماء: الأصل في الميتة أنها نجسة، واستثني الآدمي المسلم لقوله عليه الصلاة والسلام: (المؤمن لا ينجس) فبقي الآدمي المشرك على الأصل، وأكدوا هذا بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:٢٨] قالوا: لما كانت الميتة في أصل حكم الشرع نجسة كما نص الله عز وجل في غير موضع؛ فإننا نقول: إن كل ميتة نجسة إلا ما ورد الشرع بإخراجه، فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن لا ينجس) وهو عام، والقاعدة: (أن الأصل في العام أن يبقى على عمومه حتى يرد ما يخصصه)، قالوا: نحكم بكونه نجساً إلا ما استثناه الشرع من الميتات، وقد استثنى الشرع المسلم المؤمن بقوله عليه الصلاة والسلام: (إن المؤمن لا ينجس) واستثنى ميتة البحر بقوله: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) فلم يحكم بنجاسة ميتة البحر، قالوا: فبقي الكافر والمشرك على الأصل من كونه نجساً، وهذا بالنسبة للمذهب الثاني عند العلماء رحمة الله عليهم.

وهناك مذهب ثالث: أن المشرك نجس حياً وميتاً -والمذهب الثاني وسط بين المذهبين- قالوا: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن لا ينجس) يؤكد أن الكافر ينجس، لأنه لو كان الآدمي طاهراً؛ لقال: إن الآدمي لا ينجس، لكن كونه يقول: (إن المؤمن) يدل على أن الكافر ينجس، قالوا: إما نجاسة موت بمفارقة روحه -ولذلك يعتبر من الجيفة والميتات- وإما بالعموم سواء كان حياً أو كان ميتاً.

واعترض عليهم باعتراضات وجيهة منها: قالوا: إن نساء أهل الكتاب حل لنا نكاحهن، وإذا جاز لنا نكاحهن فإنه لابد من مخالطة.

واعترض عليهم بقصة ثمامة بن أثال الحنفي، فإنه رضي الله عنه أخذته خيل النبي صلى الله عليه وسلم وهو ماضٍ إلى العمرة فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وربطه في المسجد، قالوا: ولو كان نجساً لما أدخله النبي صلى الله عليه وسلم المسجد، هذا بالنسبة للاعتراضات التي اعترضت عليهم.

وأجيب عنها أما كون نساء أهل الكتاب حل لنا؛ فإن قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:٢٨] اختلف هل المشركون يدخل فيهم أهل الكتاب أو لا؟ فنقول: إن الآية وردت في المشركين ولم ترد في عموم الكفار، إذ لو كان أهل الكتاب داخلين فيها لقال: إنما الكفار نجس، لكن قال: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:٢٨] ووجدنا أن القرآن يفرق بين المشركين وأهل الكتاب {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة:١] فلما فرق بينهم علمنا أن قوله: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:٢٨] هم عبدة الأوثان والذين لا دين لهم سماوي، فهؤلاء يحكم بكون الواحد منهم نجساً، هذا من الأجوبة.

وأما بالنسبة للأجوبة على قيمة ثمامة بن أثال فقالوا: إنه خارج عن الأصل لمكان الحاجة، والقاعدة: أن ما خرج عن الأصل لا يعترض به، ولا يرد به الاعتراض في الاستدلال.

وهذا حاصل ما ذكر في مسألة: نجاسة الآدمي، فقال المصنف: (وميتة الآدمي)، أي: لا يحكم بنجاستها، وهذا -كما قلنا- قول طائفة من العلماء رحمة الله عليهم ولما قال: (الآدمي) فهمنا أنه يستوي في ذلك الكافر والمسلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>