للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هل الخلع طلاق أم فسخ، ومتى يكون طلاقاً عند القائل بأنه فسخ؟

قال رحمه الله تعالى: [ووقع الطلاق رجعياً إن كان بلفظ الطلاق أو نيته]: أي: إن أخذ الخلع، وقال لها: طلقتكِ، صار خلعاً بطلاق، ويكون طلاقاً رجعياً؛ لأنهم يرون أن الخلع ليس بطلاق، هذا مذهب الحنابلة، فأصبح الخلع عندهم على حالات: الحالة الأولى: أن يكون بدون طلاق: فلا ينوي الطلاق، ولا يتلفظ به، قالوا: فيفرق بينهما، ولا يحتسب من الطلاق، فلو أنه بعد سنوات رجع إليها يرجع بثلاث تطليقات على قول الحنابلة.

وأما على قول غيرهم وهم الجمهور فإنهم يقولون: الخلع طلاق، فيخالعها ويطلق، لقوله عليه الصلاة والسلام: (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة)، واستدل الحنابلة بأثر ابن عباس رضي الله عنهما في آية البقرة، فإن الله ذكر الخلع بين الطلقة الثانية والثالثة، فقال تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ.

} [البقرة:٢٢٩] إلى أن قال تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:٢٢٩]، ثم قال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} [البقرة:٢٣٠].

فلو كان الخلع طلاقاً لكان ذكر الخلع هي الطلقة الثالثة! وأجيب بضَعف الاستدلال بهذا؛ لأنه حكاية تصوير، وليس بحكاية ترتيب؛ لأنه لو كان حكاية ترتيب لدل على أن الطلقة الثالثة لا تكون إلا خلعاً، ولفُهِم من الآية أن طلاق الثلاث الذي أعطيه المسلم في كل زواج، الثالثةُ منه خلع، لكنه حكاية تصوير الحكم بذكر صورة من صور الفراق بين الرجل وامرأته، وجاءت السنة تقول: (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة)، فلو لم يكن طلاقاً لما ألزمه النبي صلى الله عليه وسلم به، ولا يعقل أن النبي صلى الله عليه وسلم يلزم الصحابي بالتطليق الذي يُحْتَسَب عليه ويستضر به لو لم يكن ذلك في أصل الخلع، وهذا هو الصحيح وهو مذهب الجمهور.

قوله: (أو نيته): أي: إن نوى الطلاق، وهذا -طبعاً- عند الحنابلة، فإذا كان الخلع ليس بطلاق فمعناه: إما أن يقع الخلع خلعاً مجرداً عن الطلاق، أو يخالعها وفي نيته أنه طلقها فيقع طلاقاً، أو يخالعها ويتلفظ بالطلاق، فيكون طلاقاً.

فهذه ثلاثة أحوال: إما أن يخالعها فيكون فراقاً لا يُحْتَسب في الطلاق.

وإما أن يخالعها ناوياً الطلاق فهو طلاق.

أو يخالعها مصرِّحاً بالطلاق متلفظاً به، فهو طلاق على حسب ما تلفظ به.

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعل ما تعلمناه وعلَّمناه خالصاً لوجهه الكريم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>