للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الطلاق المعلق على صفة إذا وجدت بعد إبانة المرأة ثم مراجعتها]

قال المصنف رحمه الله: [وإن علَّق طلاقها بصفة ثم أبانها فوُجِدت ثم نكحها فوجدت بعده طلقت كعتق وإلا فلا] هذه المسألة تكلَّم عليها أئمة السلف رحمهم الله، وهي مسألة قديمة، وقول جماهير العلماء رحمهم الله حتى حُكي الإجماع: أن الرجل إذا علق الْخُلع أو الطلاق على صفة، وقال: إذا دخلتِ الدار أو إن فعلتِ كذا وكذا، وذكر شيئاً معيناً إن وُجِد فالطلاق حاصل، أو الخُلع واقع.

فهذا التعليق على وجود الصفة إن كان النكاح باقياً ذكرناه في حكم الشرط، وسيأتي -إن شاء الله- بيانه وبيان كلام العلماء عليه -إن شاء الله- في تعليق الطلاق بالشرط.

لكن هنا مسألتنا أنه يعلق ثم يطلقها وتخرج من عدتها فتَبِيْن منه، وتفعل هذا الشيء أو تُوجَد هذه الصفة حال بينونتها، أي: لمّا بَانَت وانحلَّت من العصمة وفُرِّقَ بينهما وفارقته وقع هذا الشيء الذي علَّق الطلاق عليه، وطبعاً هي أجنبية، فلا يقع حال كونها أجنبية، فبعد أن وَقَع أو وُجِدت الصفة نَكَحَها مرةً ثانيةً؛ فهل يَبْقَى المعلَّق في النكاح الأول كما هو أو يلغى؟ هذه مسألة واقعة في الطلاق، وفي العتاق (في عتق العبيد) يقول لعبده: إن جاء أبي من السفر فأنت حرٌ، فعلق العتق على مجيء أبيه، فقبل مجيء أبيه باع العبد، واشتراه زيد من الناس؛ ثم جلس عند زيد -مثلاً- نصف سنة، ثم اشتراه من زيد، فإن رجع الأب وهو عند زيد أو رجع بعد رجوعه إلى صاحبه الأول؛ فهل يسري الحكم في كلتا الصورتين؟ ففي الحالة الأولى يقول: إن جاء أبي فأنت حرٌ، ثم باعه قبل مجيء أبيه فاشتراه زيدٌ فجاء أبوه وهو ملكٌ لزيد، ثم اشتراه بعد ذلك من زيد فهل يعتق؟ قال جماهير العلماء: إنه يَعتِق؛ لأنه فيما بينه وبين الله عز وجل جَعَل عِتْق عبده إذا كان مملوكاً له بمجيء والده، فإذا جاء والده، سواءً كان مجيئه والعبد في ملكه أو قبل أن يملكه فإنه يقول: متى جاء والدي فسأعتقك، فلما امتنع لوجود الملكية المخالفة وهي ملكية زيد حينئذٍ يُمنَع ما دام ملكاً لزيد، فإن رجع إليه رجع بشرطه فيما بينه وبين الله، فيلزَمُه عتقه ويعتق عليه، هذا في العتاق.

ويوجد تداخل بين كل من العتاق والطلاق والنذور، خاصة في مسائل الشروط والتعليق والحقائق.

هذه نص عليها جماهير العلماء رحمهم الله، وحكى ابن المنذر أن الكافة يقولون: إنه يَعْتِق عليه.

ففي الطلاق نفس الحُكْم، فإن علق طلاقها على صفة ووُجِدت الصفة حال كونها في عصمة غيره أو بعد مجيئها في عقدٍ ثانٍ أخذ نفس الحكم.

مثلاً: قال لها: إن جاء والدي من السفر فأنت طالق، فطلقها قبل أن يجيء والده، وبَانَت منه قبل أن يجيء والده، أو خالعَتْه قبل أن يجيء والده، فأصبحت بائناً منه، ثم جاء والده وهي بائن، سواء كانت مزوجة بغيره أو في حال كونها أَيِّماً لا زوج لها، ثم نكحها مرةً ثانية بعد مجيء والده؛ فحينئذٍ تأخذ نفس الحكم، فهذا الذي قصده المصنف رحمه الله، وتدخل هذه المسألة في مسائل الشروط تبعاً.

قوله: [فوجدت ثم نكحها فوجدت بعده طلقت كعتق وإلا فلا] قوله: (فوُجِدت بعده) بعضهم يقول: تَطْلُق ويَعتِق العبد برجوعه إلى الملكية؛ لوجود الصفة كما ذكرنا، وبعضهم يقول: لا تَطْلُق إلا إذا كانت الصفة موجودة أثناء الرجوع، فلو أن والده سافر مرةً ثانية وتُوفِّي في هذا السفر ولم يعد، فلا تطلق عليه، فيجعلونه باقياً بالسريان الذي ذكرناه، بحيث إنها عندما ترجع إلى عصمته يكون الوالد قد جاء من السفر، أما إذا بَقِي على سفره وعلى وصف السفر، فإنه لا يصدق عليه أنه رجع.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>