للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الجمع بين قوله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً ... ) الآية وبين ما جاء تحريمه بالسنة

السؤال

ما معنى قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام:١٤٥]، وهل هي دليل على إخراج غير الأصناف المذكورة في الآية؟

الجواب

قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام:١٤٥]، هذه الآية الكريمة أصل عند العلماء رحمهم الله في إباحة ما لم يرد النص بتحريمه، ولكن قد تأتي نصوص أخر وتزيد على هذه الآية؛ لأن الله تعالى يقول: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ} [الأنعام:١٤٥]، فإذا نظرت وجدت أن الميتة أو لحم الخنزير أو المذبوح لغير الله ثلاثة أصناف، مع أن السنة زادت محرمات أخر، فمثلاً: لحم الحمر الأهلية، فإنها ليست مذكورة في الآية الكريمة، وقد دلت السنة على أنها رجس، ولا يجوز أكل لحوم الحمر الأهلية، وكذلك أيضاً: كل ذي نابٍ من السباع، فإن السنة قد دلت على حرمة أكله، فهو ليس بميتة من حيث الأصل وليس بلحم خنزير، وليس داخلاً في الفسق الذي أهل به لغير الله، ولو أخذت بظاهر هذه الآية لأحللت أكل لحم الأسد والنمر، لكن لما جاءت السنة بتحريم كل ذي ناب من السباع، فإنك تقول بتحريمه، فالمقصود: أن الحصر في بعض الآيات، قد يراد به أصول المحرمات كأن تقول مثلاً: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} نبه على أصول المحرم من جهة التذكية، وهو الذي حل أكله في الأصل ولكن حرم لعارضٍ وهو عدم وجود الذكاة، مثلاً إذا جئت تنظر إلى بهيمة الأنعام وقد ماتت حتف نفسها بدون ذكاة تقول: إن هذه الآية أصل في تحريم هذا النوع، فكل ما لم يذكَ ذكاةً شرعية فهو مندرجٌ تحت: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً}، إلا ما استثناه الشرع من ميتة البحر لقوله عليه الصلاة والسلام: (الطهور ماؤه، الحل ميتته).

كذلك أيضاً {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ} تستطيع أن تقول: لحم الخنزير أصل في تحريم كل مستخبث، فهو جاء بلحم الخنزير نصاً ونبه على مثله معنىً، وهذا من دقة القرآن؛ أن نصوص الكتاب في بعض الآيات تأتي بأصول المحرمات، فعندما تلتفت إلى لفظ الآية تظن أن السنة زادت أشياء، لكن لو التفت إلى المعنى لاستبعدت ذلك الأمر، وهذا الذي جعل جماهير العلماء يعتبرون القياس فيقولون: لحم الحمر الأهلية كلحم الخنزير، بدليل قوله تعالى: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام:١٤٥]، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحمر الأهلية: (إنها رجس)، وكأن الأصل لم يختلف، فتجعل الآية أصلاً من جهة اللفظ ومن جهة المعنى، فتقول: أصول المحرمات لا تخرج عن كون الشيء مستخبثاً لذاته مثل الخنزير، أو يكون طيباً في أصله ولكن فقدت فيه الذكاة كالميتة، أو يكون مستخبثاً للمعنى؛ أي: فيه شرك؛ لأن الشرك مستخبث من جهة المعاني والاعتقاد، فيحرم الذي فيه شرك أو كان فسقاً أهل لغير الله به، فجاءت الآية بمجموع المحرمات، فقل أن تجد طعاماً محرماً يخرج عن هذه الثلاث، ولذلك حرمنا ذبائح المجوس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في المجوس: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب، غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم)، أين تضع ذبائح المجوس؟ تضعها تحت قوله: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام:١٤٥]؛ لأن الأصل فيهم أنهم يهلون لغير الله عز وجل، وتحرم ذبائح الوثنيين والمشركين لنفس الآية: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام:١٤٥]، وتحرم ما كان أصله حلالاً ولكنه لم يذك بالذكاة الشرعية؛ لأن حله موقوف على التذكية، فتقول: هو داخل تحت الميتة، فكل ما لزمت فيه الذكاة ولم تعمل فيه الذكاة فهو ميتة إلا ما خصه الدليل كصيد البحر.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم في صيد الكلب: (إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه؛ فكل - وقال بعد- فإن أكل فلا تأكل -أي: إذا أكل الكلب من الفريسة فلا تأكل- فإني أخاف أن يكون إنما أمسك لنفسه).

فالكلب يذكي، وذكاته أن يمسك الفريسة لك، فلو نهش الفريسة وقتلها بنهشه، حل أكلها؛ لأن هذا النهش مثل السلاح الذي يطلق ويقتل الفريسة، فكما أنك ترسل السلاح الجامد ترسل الحيوان، لكن لو فرضنا أنه أرسله على الفريسة وسمى، فاستوفى الشروط فالله يقول: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة:٤]، أي لكم، فإذا أمسك وأكل؛ جاءت الشبهة: هل أمسك لنا، فيكون تحت آية الحل، أو أمسك لنفسه؛ فهو قد صاد لنفسه ولم يصد لنا، فحينئذٍ تقول: حرم أكله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن أكل -يعني الكلب- فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك لنفسه).

هفل هذا محرم زائد عما في القرآن؟ تقول: أدرجه تحت الميتة؛ لأن الأصل أن هذا الممسوك ميتة، والذكاة تعمل في الحيوان إذا كانت على الوجه المعتبر، فلما كانت ذكاة الكلب على غير الوجه المعتبر؛ ألحقت بالميتات، وأصبحت مندرجة تحت هذا الأصل، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>