للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفصيل حالات أخذ الجزء لحكم الكل والعكس]

السؤال

في الطلاق نرى أن الجزء آخذ لحكم الكل والقاعدة: أن (الجزء لا يأخذ حكم الكل) فما التوجيه في ذلك؟

الجواب

ما شاء الله! -الحقيقة- كم يُسَر أهل العلم وطلبة العلم حينما تكون الأسئلة فعلاً تدل على ربط الفقه بعضِه ببعض! سبق وأن ذكرنا أن هناك قاعدة تقول: (الجزء لا يأخذ حكم الكل)، وذكرنا هذه القاعدة في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حينما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (ناوليني الْخُمرة، قالت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست في يدك)، فلم يعطِ اليد حكم الجسم كله، فقالوا: (الجزء لا يأخذ حكم الكل)، وهذا فيما يقصد فيه الكل.

هنا قلنا: (الجزء يأخذ حكم الكل)، وهذا في المؤاخذات، وقصد الكل -يعني: فيما يقصد به الكل- مستقيم؛ لأن هذا ورد، وهذا ورد، فالشرع عبَّر بالجزء عن الكل، ولذلك قال: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة:١٩١]، والمراد مكة كلها، وقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء:١]، وقد أسري به عليه الصلاة والسلام من بيت أم هانئ، وهذا يدل على أن الكل يكون في حكم الجزء، وقال: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:١]، كما ذكرنا، فالشرع يعبر بالجزء عن الكل، ويعبر بالجزء عن الجزء، فحينما قلنا: إن الجزء لا يأخذ حكم الكل فهذا بالنسبة لما قَصَد الشرعُ فيه الكل كقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) فالدخول للكل لا للبعض، فلو أدخل رجله فإنه لا تلزمه التحية؛ لأنه لم يدخل الكل، والجزء لا يأخذ حكم الكل، ولو قال: والله! لا أدخل البيت، فأدخل يده، لم يحنث؛ لأن الحكم هنا في الشرع معلق بالكل، وهكذا لو اعتكف في مسجدٍ فأخرج يده منه لم يبطل اعتكافه؛ لأن الشرع علق الحكم بالكل؛ لكن هنا لا يمكن أن يعلق الحكم بالجزء وحده؛ لأننا ما وجدنا الشرع يقول: المرأة حلالٌ كلها إلا يدها، وما وجدنا الشرع يقول: المرأة نصفها حلال ونصفها حرام، ووجدنا الإجماع قائماً على أن تطليق البعض كتطليق الكل، وأن جزء الطلقة ككل الطلقة فتطلق المرأة جميعُها، وهذا مثل ما ذكرنا: أن الشرع اختلفت أحكامه فأعطى الكل حكم الجزء في حال، وأعطى الجزء حكم الجزء بالخصوص ولم يعطه حكم الكل في حال، وعليه جعلنا الحكم مرتباً لكل حال بما يناسبه، فنحن نقول: إن الطلاق لا يتعلق بالبعض، فنفهم هنا: أن الجزء كالكل، وأيضاً: حينما وجدنا الشرع يعلق الحكم على الدخول وعلى الخروج نقول: دخول البعض ليس كدخول الكل، وخروج البعض ليس كخروج الكل.

والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>