للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من يصح منه التعليق]

قال رحمه الله تعالى: [لا يصح إلا من زوج].

أي: لا يصح الطلاق المعلق إلا من زوج، وهذه الجملة المراد بها: أن صيغة التعليق لا تصح إلا بعد وجود عقد النكاح، فلو أن رجلاً قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، أو قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، فمعنى ذلك: أنه علق تطليق المرأة بما إذا تزوج بها، فإذا نظرنا إلى هذا التعليق وجدناه وقع من غير الزوج، وهو الأعزب، فإذا قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق أو أيما امرأةٍ أتزوجها فهي طالق أو إذا نكحت فامرأتي طالق فإن هذه الصيغة لاغية ولا تأثير لها؛ لأن الطلاق لا يصح إلا بعد وجود العقد، فإذا علق الطلاق بالشرط ولم يعقد على المرأة، فإن الطلاق لم يصادف محلا، والدليل على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب:٤٩]، ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى جعل الطلاق مرتباً على وجود العقد، فدل على أنه لا طلاق قبل عقد النكاح، فلو سألك سائل وقال: اشترطت على نفسي وقلت: كل امرأةٍ أتزوجها فهي طالق، هذا في حالة العموم، أو خصص وقال: إذا تزوجت خديجة أو تزوجت من قبيلة فلان، أو من بيت فلان أو من بني عمي أو من بني خالي فهي طالق، فحينئذٍ سواءً عمم أو خصص بذكر القبيلة أو ذكر المدينة أو غير ذلك فنقول: هذا لغوٌ، ولا يترتب عليه ثبوت الطلاق لدليلين: أولهما: دليل الكتاب، والثاني: دليل السنة، أما دليل الكتاب فإن الله تعالى جعل الطلاق مرتباً على وجود العقد، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب:٤٩]، فجعل الطلاق مرتباً على وجود العقد، وبهذا استدل الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق فيما لا يملك)، وفي الحديث الآخر في السنن: (إنما الطلاق لمن أخذ الساق)، فدل هذان الحديثان -وقد صححهما غير واحد من أهل العلم- على أن الطلاق لا يقع إلا إذا وجدت العصمة، وأن من علق طلاقه على وجود العصمة أو طلق قبل العصمة فإنه قد طلق امرأةً أجنبية ولا يقع الطلاق، وقد بينا مذاهب العلماء وذكرنا أن هذه المسألة اختلف العلماء رحمهم الله فيها فقال بعض العلماء: إن الذي يشترط على هذا الوجه عموماً أو خصوصا فإن شرطه لازم وتطلق عليه المرأة بمجرد أن يعقد عليها، وعلى هذا سيبقى مدى عمره بدون نكاح، وهذا لا شك أنه خلاف شرع الله، لأنه سيؤدي إلى تحريم ما أحل الله عليه، ولربما وقع في الحرام، خاصة في الأزمنة التي لا يوجد فيها ملك اليمين، وقال بعض العلماء: إن هذا الشرط لاغ ولا طلاق إلا بعد نكاح، وهو الراجح كما ذكرنا، وقال بعض العلماء: إن عمم فإنه يلغى قوله: ولا يعتد به، وإن خصص اعتد بتخصيصه، وهذا مرويّ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقال به بعض أصحاب الإمام مالك، والصحيح: أن الطلاق لا يقع إلا إذا وجد النكاح، وأن من قال كل امرأةٍ أتزوجها فهي طالق، أو أيما امرأة أتزوجها فهي طالق، أو أيما امرأة من بني فلان أو من قرية كذا أو من بلدة كذا، كل ذلك لغوٌ ولا تأثير له في إثبات الطلاق.

<<  <  ج:
ص:  >  >>