للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[وقت تحقق الطلاق عند تعليقه بشرط ووقوع المشروط]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

يقول المصنف -رحمه الله تعالى-: [فإذا قال: إن قمتِ، أو إذا، أو متى، أو أي وقت، أو مَن قامت، أو كلما قمت؛ فأنت طالق، فمتى وجد؛ طلقت]: تقدم معنا أن من علق الطلاق بشرط، فإنه لا يقع الطلاق إلا بعد وقوع الشرط، وبينا أن هذا هو الأصل، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن اللسان العربي يقتضي هذا الحكم، وأنه لا يقع المشروط إلا بعد وقوع الشرط، وبناءً على ذلك شرع المصنف -رحمه الله- في تفصيل ما تقدم من أدوات الشروط فقال: (فإذا قال: إن قمت أو إذا، أو متى).

فإن قال لامرأته: إن قمت فأنت طالق، فبينه وبين الله عز وجل أنه إن قامت امرأته فإنها طالق عليه، وهذا يقتضي أنه متى وجدت صفة القيام فإنه يُحكم بوقوع الطلاق، كما لو طلقها منجزاً، فالله تعالى أعطاه أن يطلق زوجته، فاستوى في ذلك أن يطلقها بالتعليق، أو يطلقها بالتنجيز، فإن قال لها: إن قمت، فإذا وجدت صفة القيام؛ حكمنا بطلاقها، وهكذا إن قال: إن خرجت، أو قعدت، أو نحو ذلك من الصفات؛ فلا يقع الطلاق إلا بوجودها، وكذا إن قال: إذا قمت، وإذا خرجت، وإذا سكت، وإذا تكلمت؛ فأنت طالق، فإنه حينئذ متى وجد هذا الشرط، فإنه يقع المشروط وهو الطلاق.

قوله: (أو أي وقت) هذا راجع إلى الزمان، فإذا قال: أي وقت تكلمت فيه فأنت طالق، فإننا ننتظر إلى حين كلامها، فمتى ما تكلمت حكمنا بكونها طالقاً.

قوله: (أو من قامت) كأن تكون عنده نساء أكثر من واحدة، فيقول: من قامت منكن فهي طالقة، ومن تكلمت منكن فهي طالقة، فيختص الطلاق بالتي تكلمت، وحينئذ نتوقف حتى توجد هذه الصفة، فمن وجدت فيها هذه الصفة؛ حكمنا بطلاقها دون غيرها.

قوله: (أو كلما قمت فأنت طالق) كلما: تقتضي التكرار، وتختلف عن سابقتها من الأدوات بأنها توجب تكرار الطلاق بتكرار الصفة، ولكن هذا يختلف بحسب اختلاف النساء، فهناك فرق بين المرأة التي عقد عليها الرجل ولم يدخل عليها، وبين المرأة التي عقد عليها ودخل، فإن كانت المرأة قد عقد عليها ولم يدخل بها وقال لها: كلما قمت فأنت طالق، فإنها إذا قامت القيام الأول طلقت، وتصبح بائناً عن عصمته وتكون أجنبية، فلا يسري عليها الطلاق بعد ذلك ما دام أنها ليست في عصمته، فقوله: كلما قمت فأنت طالق يقتضي أن يتكرر الطلاق بتكرار الصفة، لكن إذا قال لها: إن قمت، إن قعدت، إذا قمت، أيتكن قامت، متى قمت، فإن هذه الأدوات لا تقتضي التكرار، فاختصت (كلما) بهذا الحكم، كلما قمت، وكلما تكلمت، وكلما دخلت، وكلما خرجت، فهذه كلها ألفاظ وشروط إذا وقعت مكررة وقع الطلاق مكرراً.

فإذا كانت المرأة غير مدخول بها فتبين بالطلقة الأولى، لكن إذا كانت مدخولاً بها، وقال لها: كلما تكلمت فأنت طالق، فتكلمت تطلق الطلقة الأولى، ثم تكلمت بعد ذلك تطلق الطلقة الثانية، ثم تتبعها الطلقة الثالثة؛ لأن الرجعية يتبعها الطلاق، وحكمها حكم الزوجة، فَفَرقٌ بين المرأة التي تكون في العصمة بعد الطلاق الأول وهي المدخول بها، والتي لا تكون في العصمة وهي غير المدخول بها.

قوله: (فمتى وُجِد طلقت) أي: متى وجد هذا الشرط طلقت المرأة، وحُكم بطلاقها؛ وهذا مبني على الأصل الشرعي في كتاب الله، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم: أن المشروط يقع بعد الشرط، وهذا معروف من لسان العرب، فإذا اشترط وقع المشروط بوقوع الشرط، وعلى هذا يقول المصنف: متى وُجد، يعني: متى وجدت هذه الصفات التي اشترطها الزوج؛ فإننا نحكم بطلاق امرأته.

<<  <  ج:
ص:  >  >>