للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تعليق الطلاق بوقوع الحيض]

الطلاق في الحيض ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن يكون الطلاق في الحيض، فلو أن رجلاً طلق امرأته بعد أن دخل بها في حال حيضها فالإجماع منعقد على أنه طلاق حيضٍ محرم.

القسم الثاني: أن يطلقها تعليقاً بالحيض، فتكون طاهرة، ويقول: إن حضتِ، فهذه المسألة حكمها حكم الطلاق في الحيض، فالرجل إذا قال لامرأته: إن حضت فأنت طالق، فإنه طلاقٌ محرم، وهو طلاق بدعي، وعلى هذا يكون آثماً بهذا النوع من التعليق، فهذا التعليق محرم، واستفدنا من هذه الجملة أن الطلاق في حال الحيض يستوي فيه أن تكون المرأة أثناء الطلاق حائضاً أو تكون المرأة غير حائضٍ فيطلقها معلقاً طلاقها على الحيض، فإذا علق طلاقها على الحيض، فإن الطلاق غالباً يكون مستقبلاً، فيشمل التطليق في الحيض ما يكون حالاً وما يكون مسنداً إلى الاستقبال بصيغة التعليق.

قال رحمه الله: (إن قال لها: إن حضت فأنت طالق) أي: بينه وبين الله، فإن امرأته طالق إن حاضت حيضة كاملة، يعني: إن دخلت في حيضها، فإننا نحكم بتطليقها إذا تبين حيضها.

وهذه الجملة تفيد أنه بمجرد دخولها في الحيض وثبوت الحيض بالنسبة لها تكون طالقا، فإن تكلم بهذه الصيغة والمرأة صغيرة لم تحض بعد، كأن يكون عمرها خمس سنوات، أو ست سنوات، أو سبع سنوات، أو ثماني سنوات، فقال لها: أنت طالقٌ مني إن حضت، يعني: إن جاءك دم الحيض فأنت طالق، فننتظر إلى أقل سنٍ تحيض فيه المرأة، ولا نتيقن بكونها حائضاً إلا إذا بلغت تسع سنين على التفصيل الذي قدمناه في كتاب الحيض، وقد ذكرنا رواية البيهقي رحمه الله عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة)، أي: تأهلت للحيض لتسع سنين، ومن هنا أخذ طائفة من أهل العلم أن أقل سنٍ تحيض فيه المرأة تسع سنوات، وأبو بكر رضي الله عنه زوج النبي صلى الله عليه وسلم بـ عائشة وعمرها ست سنين، ودخل عليه الصلاة والسلام بها وعمرها تسع سنين، وهذا يؤكد أن تسع سنين تتأهل فيها المرأة للزواج وتتأهل للحيض، فإذا قال رجل: زوجتك ابنتي وعمرها ست سنوات، فعقد عليها، فتم العقد فقال له: إن حاضت ابنتك فهي طالق فحينئذٍ ما قبل سن المحيض تكون في عصمة الرجل ولا يقع الطلاق، فننتظر إلى أقل سنٍ تحيض فيه المرأة، ثم ننظر إلى دم الحيض بصفاته على التفصيل والضوابط التي تقدمت معنا في كتاب الحيض، فلا بد من أمرين: أولاً: السن.

والثاني: أن يكون الدم الذي يجري من المرأة دم حيضٍ لا دم استحاضة؛ لأنه ربما كان عمرها تسع سنين ولا يتبين أن ما يخرج منها دم حيض ولهذا قال المصنف رحمه الله: (بأول حيض متيقن) فعندنا في الحيض شك ويقين، ومسألة أقل سن تحيض فيه المرأة قد بيناها، وكذلك مسألة أقل الحيض قد تقدمت في كتاب الحيض وذكرنا خلاف العلماء -رحمهم الله- في أقل الحيض وأنه تتفرع عليه مسائل عديدة ومنها هذه المسألة، فأنت إذا قلت: إن أقل الحيض يوم وليلة أي: أربع وعشرون ساعة، فلو أن بنتاً عمرها تسع سنوات خرج منها دم لكن هذا الدم استمر سبع ساعات وانقطع فليس بحيض على هذا القول، ولا تطلق المرأة عند من يقول: إنه لا بد أن يستمر أربعاً وعشرين ساعة.

فلو أن امرأة بلغت تسع سنين وجرى معها دم ولم يستتم أربعاً وعشرين ساعة فإنها لا تطلق بذلك الدم، ولا يعتبر ذلك الدم دم حيض، وهذا على مذهب الشافعية والحنابلة الذين يقولون: أقل الحيض يوم وليلة، والحنفية -رحمهم الله- يقولون: ثلاثة أيام، والظاهرية والمالكية واختيار شيخ الإسلام رحمه الله أن الحيض لا حد لأقله، وأن المرأة ممكن أن تدفع الدفعة من الحيض، وذكرنا أن هذا هو أصح أقوال العلماء؛ لأنه لم يرد في كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحديد يدل على أن اليوم أو الليلة أو أن الثلاثة الأيام هي أقل ما تحيض به المرأة، وإنما استندوا في ذلك إلى أدلة نظرية، والصحيح أن الحيض يكون قليلاً وكثيراً ولا ضابط له من حيث الساعات أو الزمان.

إذا ثبت هذا فنحسب أقل سن تحيض فيه المرأة، فإن كانت السن سن حيض وخرج معها دم الحيض على صفاته فإننا نحكم بكونها طالقاً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>