للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[وصية في تربية الأولاد]

السؤال

بعض الآباء يقتصر في تربيته لأبنائه على توفير المأكل والمشرب ويغفل عن التربية من حيث التأديب والتهذيب، فهل من وصية حول هذا الأمر؟

الجواب

أما بالنسبة لتربية الأولاد فالكلام حولها لا شك أنه يحتاج إلى وقت طويل، لكن جماع الخير كله في تقوى الله عز وجل، وإذا أراد الله أن يقر عين الوالد في ولده رزقه أموراً تهيئ له البركة فتوضع له في ولده، وهذه الأسباب: أولها وأعظمها: دعاء الله أن يصلح له الذرية والولد، كما حكى الله عن أنبيائه وصالح عباده، فقال نبيه: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} [آل عمران:٣٨] أي: لا تهب لي ذرية فقط، ولكن أسألك أن تكون طيبة، {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران:٣٨] وقال الله عن عباده الصالحين: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:٧٤]، فيسأل الله في أوقات الإجابة أن يصلح له ذريته؛ لعلمه أنه إذا صلحت ذريته فإن الله عز وجل يقر عينه بهم في الدنيا والآخرة، فكم من بهجة للنظر، وكم من سرور للقلب، وكم من طمأنينة للنفس وراحة وبهجة بالولد الصالح، فهو خير معين بعد الله عز وجل على شدائد الدنيا، بل حتى إن الرجل في بيته مع زوجه لربما نزلت به مصيبة حتى كادت امرأته أن تطلق عليه، فيدخل الولد الصالح فيصلح ما بينه وبين زوجه، وهذه من بركات الذرية الصالحة، وإذا كان الولد صالحاً كان قائماً عليه إذا مرض، يقوم على شأنه ويحتسب أجره عند الله عز وجل، فيجد خيره وبركته ما شاء الله أن يجد.

وكذلك من الأسباب التي تهيئ الذرية الصالحة والولد الصالح: التربية الصالحة، والتربية تفتقر بالاختصار إلى أمرين مجملين: أولهما: أن ينظر الولد إلى الصلاح في قولك وعملك، وتكون قدوة له، فإذا رآك بمجرد أن تسمع داعي الله إلى الصلاة تبكر وتبتكر، وتشحذ همتك بالتبكير إلى بيوت الله، وعمارتها بذكر الله، خرج كما خرجت وبادر كما بادرت، ولربما غيبك لحدك وغيبك قبرك فتذكرك عند كل صلاة فترحم عليك، فالأب الصالح الذي يترجم بالقدوة الصالحة وبالعمل الصالح معاني للصلاح، يخط لولده صراطاً مستقيماً، وسبيلاً قويماً، يهتدي به ولده وولد ولده من بعده، حتى ينال أجره وأجر من اقتدى بذلك الهدي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

أما الأمر الثاني في القدوة: إذا كانت القدوة هي الأساس، فينبغي على الوالد أن يهيئ لنفسه جميع أسباب القدوة، فإذا دخل البيت فليدخل بالحنان والبر والإحسان فيكون خير والد لولده، وما جُبلت قلوب الأبناء على حب الآباء بشيء مثل الإحسان، ومثل الرفق الذي ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، وهذا رسول الأمة صلى الله عليه وسلم وهو ساجد بين يدي الله يأتي ولده ويمتطي ظهره، فلما امتطى ظهر النبي صلى الله عليه وسلم سكن عليه الصلاة والسلام ولم يزعجه ولم يقلقه، فشهد ابنه بحنانه ورحمته وبره عليه الصلاة والسلام، قال بعض العلماء: لو كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن الحسن والحسين -على اختلاف الرواية- في الخلوة من ركوب الظهر لما ركبه أمام الناس، معناه: أنه كان إذا خلا مع الحسن والحسين يدللهم، ويدخل السرور عليهم إلى درجة أنهم يمتطون ظهره، ففعلا ذلك أمام الناس، فالقدوة بالإحسان وبالكلمة الطيبة وبالبر.

الكلمة الأخيرة: أن يكون هناك تعليم وتوجيه وإرشاد بكلمة طيبة، ونصيحة صادقة، وينبغي على كل والد وكل والدة أن تفرق بين النصيحة التي تكون ناشئة من أسباب دنيوية وغيرة على العرض وعلى النفس، وبين النصيحة الخارجة من قلب يخاف الله، يريد أن يقي نفسه وأهله من نار الله.

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهب لنا ولكم ذرية صالحة تقر بها العين.

اللهم بارك لنا في أزواجنا وذرياتنا، وارزقنا خير الولد وخير الذرية إنك ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>