للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم طلب الزوجة الطلاق لأدنى مشكلة]

السؤال

بمجرد حصول أدنى مشكلة بين الزوجين تطلب المرأة فوراً الطلاق، فهل يجوز لها ذلك؟

الجواب

لا يجوز للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق من غير ما بأس، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حرمة ذلك كما في الصحيح، وورد فيه الوعيد الشديد وهو أن (الجنة على المرأة حرام إذا سألت الطلاق من غير ما بأس) -نسأل الله السلامة والعافية- فعلى المرأة أن تتقي الله عز وجل.

وأما بالنسبة للمشاكل الزوجية فالواجب على المرأة أن تصبر، وأن تحتسب عند الله عز وجل الثواب، وكل إنسان إذا ضاع حقه وأهينت كرامته، وأذل في عزه، واعتدي على ماله؛ فليحتسب أمره عند الله عز وجل، فإن الله نعم المولى ونعم النصير، والمرأة لا يرد حقها الطلاق، ولا يرد حقها هدمها لبيتها وأذيتها لأطفالها، فلتعلم المرأة أنها إذا سألت زوجها الطلاق أنها تهدم بيتاً من بيوت المسلمين، ولتعلم أنها إذا سألت الطلاق أنها تدمر أسرة من أسر المسلمين، والله سائلها عن ضياع أبنائها وفلذات كبدها، وعليها أن تكون قوية تستعصم بربها، وكم من صعاب ذللت وهموم تبددت ومشاكل وغموم أزيلت بالثقة بالله جل جلاله، فإن الله نعم المولى ونعم النصير، خاصة للمرأة لأنها ضعيفة، وضعفها موجب لرحمة الله عز وجل لها، ولعظيم شأن المرأة، ولكثرة المظالم التي تقع عليها؛ أخبر الله عز وجل أنه يسمع شكواها من فوق سبع سماوات، وهذا ليس خاصاً بالمرأة، بل هو سبحانه يسمع كل شكوى، ويجيب ويكشف كل بلوى، فهو سبحانه وتعالى منتهى الشكوى، وكاشف الضر والبلوى، جل جلاله وتقدست أسماؤه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إني أحرج حق الضعيفين: المرأة واليتيم).

وعلى المرأة أن تعلم أنها مهما فعلت مع زوجها فأجرها على الله، وكل إنسان يضع هذا الاعتقاد وهذا الشعور في قلبه يزول عنه عناء الدنيا ونكدها، إياك أن تفعل أي حسنة وتنتظر من أحد ثواباً أو جزاءً عليها غير الله جل جلاله، وطِّن نفسك على ذلك، ليس لك إلا ربك، ولا أرحم بك من الله جل جلاله، عوّد نفسك على ذلك فتستريح من هموم الدنيا كلها، كل هذا ثقة بالله وحده، ولذلك ما من أحد يُعلق قلبه بغير الله إلا عذبه الله بذلك التعلق.

ومن هنا قد تجد المرأة تكافح وتكابد وهمها أن ترضي زوجها دون أن يكون ف يبالها رضا الله عز وجل، فيأتي اليوم الذي يوليها ظهره فيكفر معروفها وينسى فضلها فتصدم بذلك، ولكنها إذا وطّنت قلبها بالاستعانة بالله وأصبحت في جميع حركاتها وسكناتها تلتمس أول ما تلتمس مرضاة الله، وإذا أحسنت لبعلها تفكر أول شيء هل هذا الإحسان الذي تريد أن تقوم به والسرور الذي تدخله عليه هل هو يرضي الله أو لا يرضيه؟ فإن كان يرضي الله فعلته، وإن كان لا يرضي الله تركته، ولا تبالي بأحد كائناً من كان، ووالله ما وطّنت نفسها على ذلك إلا جعل الله ضيق الدنيا عليها سعة، وأسعدها في نفسها وولدها وبعلها، ولو طلقها زوجها أو فارقها أبدلها الله خيراً منه.

ولا يمكن أن تستقيم حياة المرأة بل حياة كل عبد إلا بهذا الأساس، ولذلك أي إنسان يقوم بشيء يجامل به أهل الدنيا أو ينتظر به من أهل الدنيا شيئاً إلا عذبه الله به، وبكى طويلاً وبكى مريراً وتقرح قلبه وشقيت نفسه؛ فمن يريد غير الله عز وجل فقد خاب وخسر، فإن كان يطلب الغنى أذله الله بالفقر، وإن كان يطلب الكرامة ألبسه الله المهانة، فلا كرامة إلا بالذلة بين يدي الله، ولا عزة إلا بالذلة بين يدي الله عز وجل، ولا استغناء إلا بالله الذي لا تنفد خزائنه، فعلى المرأة دائماً أن توطن نفسها على ذلك، وليس عند كل مشكلة تصيح في وجه زوجها: طلقني طلقني، هذا ليس من العِشرة بالمعروف، وليس من شيمة المرأة المؤمنة.

الطلاق لا يذكر في بيت مؤمنة، أبداً، بل تصبر وإن رأت خيراً حمدته، وقالت: الفضل كله لله، قيل لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما ابتليت ورأت الشدة والكرب وضاقت عليها الأرض بما رحبت في أعز شيء تملكه المرأة بعد دينها وهو عرضها، قذفت وأوذيت رضي الله عنها وأرضاها، فلما أوحي إليه عليه الصلاة والسلام ببراءتها، وبشرها عليه الصلاة والسلام بذلك، وبدت أسارير وجهه تبرق عليه الصلاة والسلام من الفرح بنصر الله لوليته المؤمنة؛ وبعد أن انتهت الآيات قيل لها: اشكري رسول الله، قالت: لا والله، بل أشكر الله، أول شيء وجهت وجهها لله سبحانه الذي كان معها نعم المولى ونعم النصير، فرسول الأمة جلس بين يديها وقال: (يا عائشة -كما في الصحيح- إن كنت أذنبت ذنباً فتوبي إلى الله واستغفريه) فتنة عظيمة، وشهر عظيم مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه الأسى والبلاء مما يجده عليه الصلاة والسلام في عرضه؛ لأنه أمر ليس بالهين، ومع ذلك ثبتت أم المؤمنين ذلك الثبات العظيم، الذي دل على أنها موقنة بربها، والشيء من معدنه لا يستغرب، فأبوها صديق الأمة رضي الله عنه وأرضاه، الذي باع نفسه وماله وأهله كله لمرضاة الله جل جلاله، وهذا كله لا يكون إلا بكمال التوحيد وكمال الإخلاص {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ} [آل عمران:١٠١] من يعتصم من الرجال أو من الإناث أو من الأقوياء أو من الضعفاء {ومَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:١٠١] سلوة الدنيا وسرورها وبهجتها وحبورها كله مطلوب بالثقة بالله جل جلاله، فالمرأة دائماً تعود نفسها على هذا، فإذا جاءت المشاكل وواجهت زوجها بما يكره هنا تزداد المشكلة، فالمرأة تحسن التبعل لزوجها وتقوم على خدمته، وبعض الأزواج -أصلحهم الله- قد يكون فظاً، وقد يكون غافلاً عن بيته، وعلى كل مؤمن أن يتقي الله ويفكر في زوجته وهي بين أربعة جدران تغسل ثوبه، وتكنس بيته، وترعى صغيره، وتقوم على شئونهم؛ حتى يستطيع أن يعاملها بما تستحقه، وأن يكافئ معروفها، فيكون براً وفياً لها، فإذا كان الرجل جاهلاً بهذه الأمور فصاح في وجهها واستفزها وآذاها، فخرجت منها هذه الكلمات، فلا ينبغي لها هذا؛ لأنها تعلم علم اليقين أنها تعامل الله سبحانه وتعالى ولا تعامل زوجاً فقط، فإذا فعلت ذلك أنعم الله عيشها وأقر عينها وأسعدها في نفسها وبيتها، وجعل لها حسن العاقبة.

وعلى الرجل المؤمن دائماً أن يقوي صلته بالله جل جلاله، فإذا فعل ذلك فقد نعم عيشه وطابت حياته ولما ينتظره عند الله عز وجل أعظم وأجل؛ لأن القلوب إذا عاملت ربها أعظم جزاءها كما قال تعالى: {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا} [الأنفال:٧٠].

فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا كمال الإيمان به، وصدق الالتجاء إليه، وصدق المحبة والرغبة فيما عنده، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى وسلم وبارك على نبينا محمد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>