للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حكم إخراج كفارة اليمين نقوداً

السؤال

هل يجوز إخراج كفارة اليمين نقوداً أم لا؟

الجواب

كفارة اليمين بيّنها الله تبارك وتعالى فهي تخييرية وترتيبية: تخييرية في عتق الرقبة، وإطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فهو مخيّر بين هذه الثلاث، إن شاء أعتق رقبة، وإن شاء أطعم عشرة مساكين، وإن شاء كساهم.

وترتيبية: أنه إذا لم يجد واحدة من هذه الثلاث ولم يستطع فعليه صيام ثلاثة أيام متتابعات.

فهي تخييرية من وجه، ومرتبة من وجه، وليس فيها ذكر للنقود، ومن أخرج النقود في كفارة الأيمان فإنها لا تجزي؛ لأن الله أمر بالإطعام، والنقود غير الطعام، وقد كانت النقود موجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

فالكفارات التي سمى الله لا يجوز إخراج البدل عنها نقوداً في مذهب جمهور العلماء، خلافاً للإمام أبي حنيفة النعمان عليه من الله تعالى شآبيب الرحمات والرضوان، حيث قال: إنه يجوز إخراج النقود عن الإطعام في مسائل الكفارة ككفارة اليمين، وكفارة الصيام ونحو ذلك، وهذا مرجوح؛ لأنه استدل رحمه الله بحديث معاذ رضي الله عنه حينما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن مصدقاً قال: (ائتوني بخميص أو لبيس فإنه أرفق بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال: فانتقل إلى البدل، وهو الخميص والبيس وقال: (إنه أرفق)؛ قال فهذا يدل على جواز إخراج البدل في الصدقات الواجبة.

وهذا ضعيف؛ لأن حديث معاذ في الحقيقة ليس في الصدقات وإنما هو في الجزية، والجزية يجوز فيها إخراج البدل، فيجوز أن نخرج في الفدية الثياب وكل شيء له قيمة، وأن يخرج عدلها من النقود، فينبغي إعمال النصوص، فنعمل بما ورد مسمى في الصدقات والكفارات، فنتقيد فيه بالواجب.

فلا يجوز إخراج صدقة الفطر في رمضان إلا طعاماً، ولو جاء شخص وقال: إن الطعام يضيّع أو يباع، نقول: على الله الأمر وعلى الرسول البلاغ، وعلينا الرضا والتسليم، ولنترك هذه الاجتهادات والآراء، ولنتمسك بما ثبت في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع احترام أهل العلم وتقديرهم وحفظ مكانتهم وجلالتهم رحمهم الله برحمته الواسعة، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وأوفاه.

وبالنسبة لقضية: لماذا لا تخرج النقود؟ أولاً: أن الأمر تعبدي.

ثانياً: أن النقود كانت موجودة والله لم يذكرها، ولو كانت جائزة لذكرها.

ثالثاً: كأن هذا يستدرك على الله ويقول: النقود أفضل، سبحان الله! النقود أفضل الآن دون زمان النبي صلى الله عليه وسلم؟!! بالعكس: النقود أفضل الآن وفي زمان النبي صلى الله عليه وسلم، فكون الله لا ينبه عليها ولا يأمر بها مما لا يدع لعاقل أن يشك في أن الإطعام مقصود.

رابعاً: أن الله لما قال: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة:٨٩] فهذا الإطعام فيه حكمة عظيمة؛ لأن الطعام لا يأخذه إلا المستحق، ولكن النقود يأخذها المستحق وغير المستحق، ولذلك لو أخذت طعاماً في فدية أو كفارة فإنك تتعب حتى تجد المستحق الذي يأخذ منك، لكن النقود يأخذ منك الغني والفقير، ويأخذها كل شخص، ويدعي كل إنسان أنه مستحق لها، ففي هذا لا شك حكم عظيمة، ومن هنا لا بد من التقيد بالوارد.

والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>