للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم المغالاة في المهور لزيادة مكانة المرأة ورفع قدرها]

السؤال

يظن بعض الآباء أن المغالاة في مهر ابنته يزيد من مكانتها، ويشعر بقدرها ولو كان على حساب إرهاق الزوج، فما القول في ذلك؟

الجواب

المغالاة في المهور تمحق بركة الزواج، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (خير النساء أيسرهن مئونة)، فدل على أن البركة والخير في الزواج ألا تكون فيه كلفة، وألا يحمل الزوج ما لا يطيقه، ولذلك نهى عمر رضي الله عنه عن المغالاة في المهور وقال: لو كان مكرمة لفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنته.

فالسنة ألا يغالي الرجل في مهر ابنته، وأن يطلب العدل والمعروف، وكلما يسر كان ذلك أعظم لأجره، لكن إذا احتاجت البنت المهر، واحتاج والد البنت المهر لكلفة زواجها وأمور محتمة عليه لا بد من وجودها فلا بأس أن يكون أمراً نسبياً متفقاً مع العرف، فيطلب مهر ابنته بالعرف، فإذا كان العرف درج على أن البكر ثلاثين ألفاً وأن الثيب خمسة عشر أو عشرين ألفاً فلا مانع أن يزوجها حتى ولو بخمسة وعشرين ألفاً، أو بعشرين ألفاً.

ثم هناك أمور نسبية، وهي أنه ينظر في حال الزوج، فإذا كان الزوج غنياً ثرياً مليئاً أخذ منه المعروف الذي هو الثلاثين، وإذا كان الزوج ليس عنده مئونة ولا مال فزوجه بخمسة آلاف أو عشرة آلاف، وفاعل هذا لا شك أن الله سيبارك له في الزواج الذي يقع لابنته، وهذا معلوم ومعهود وسنة من الله عز وجل، ولا تتبدل سنة الله ولا تتغير.

والذي ينبغي على الآباء أن يرحموا بناتهم وأن يرحموا الأزواج؛ فإن الزوج إذا تحمل أمور الزواج بالدين أول ما يقع الضرر على البنت؛ لأنه ربما طلقها، وربما ضيق عليها حتى تفتدي منه ويحصل الخلع، ولربما ساءت أخلاقه؛ لأنه يحس كأنه اشتراها.

لكن الوالد الذي يخفف في المهر إذا جاءت البنت تخطئ أو تسيء أو تتجاوز بعض الأمور التي لا ينبغي مجاوزتها تجد الزوج يستحيي أن يشكوها إلى والدها؛ لأن المعروف كثر عنده وأخرس لسانه، فجعل عينه غاضه عن كل خطأ وعيب في البنت، وجعل لسانه أخرس لا يستطيع أن يتكلم؛ لأن الكريم يُكسر بالمعروف.

لكن إذا بالغ في المهر فالخطأ اليسير كبير، والزلة اليسيرة كبيرة، فهذه كلها أمور يجعلها الله عز وجل مسددات، فاليسر سبب في اليسر، والتعسير سبب في التعسير، فمن ضار ضار الله به، ومن عسّر عسّر الله عليه.

والذي ينبغي أن يلتفت إليه هو كثرة العوانس في بيوت المسلمين، فكم من نساء ينتظرن من يتزوجهن، وكم من شباب لا يستطيعون الإقبال على الزواج للتكاليف الموجودة في الزواج.

فعلى الآباء أن يتقوا الله عز وجل، وأن يعلموا أن الله سبحانه وتعالى يرحم من يرحم، وقلّ أن تجد إنساناً يرحم في الحقوق وفي الأمور التي يليها مثل بناته وأخواته إذا زوجهن، ويساعد الزوج في زواجه، ويقف في المواقف الحميدة الكريمة إلا بارك الله له في ماله ورزقه، وبارك في هذا الزواج الذي جرى على يده، وجعل عواقبه كلها خيراً وبركة.

فعلى المسلم أن يأخذ بهذه السنة التي كان عليها سلفنا الصالح تبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في التيسير في أمور الزواج.

كذلك أيضاً ينبغي إلغاء الأمور التي فيها ضرر على الزوج من اشتراط الكلفات والأمور التي لا تحمد عقباها وقل أن يعظم نفعها، فالشخص إذا أراد أن يتزوج عليه أن يقتصر على دعوة القرابة وبعض من يعرفه، وليس هناك داعٍ للتوسع في أمور الزواج وللبذخ فيها.

فليت الآباء والأمهات والأزواج والزوجات يتقون الله عز وجل في أنفسهم ويتعقلون كثيراً في هذه الأمور التي لا تعود على الناس بالخير، وما هي إلا مظاهر فانية، ووالله مهما فعل فإنه لا يسلم، ومن العجيب الذي ذكره بعض الإخوان أنه قال: حضرت زواجاً قد تكلف صاحبه وكان ثرياً غنياً، وكان مظهر جعل زواجه من أجمل وأحسن وأكمل ما يكون عليه الزواج، قال: فحضرت مع بعض أقربائه.

فإذا بهم يسبون هذا الغني الثري ويقولون: قبحه الله! فعل وفعل وفعل وفعل.

فأصبحت المباهاة سبباً في الذلة، لقد طلب الكرامة في معصية الله فأهانه الله، وطلب العزة بمعصية الله فأذله الله عز وجل.

قال: ثم حضرت زواجاً بعد ذلك مقتصداً ميسراً مخففاً لا كلفة فيه، فكان أن قالوا: فعل الله بأهل الزوج والزوجة.

أي: ما أطعم الضيوف وما فعل الذي أرادوه.

فما أحد يسلم من الناس، لا الذي أعطاهم وأشبع بطونهم، ولا الذي أخذ بالقصد.

فإذا كان الشخص في الزواج دعا العشرات ولم يزد على عدد معين، وجاءته أمة من الناس فهل العتب عليه، أو على هذا الطفيلي الذي جاء بدون دعوى?! وعلى كل حال فهناك تجاوز من الناس خاصة في هذا الزمان، والذي أحب أن أقوله هو أني أتمنى من الخطباء والأئمة وطلاب العلم أن يقرعوا قلوب الناس في هذا الأمر وأوصيهم بذلك، والأجر في هذا عظيم إذا ذكروهم، وأن يذكروا كل ظالم كم في بيته من بناته اللاتي لم يتزوجن، وليذكروا كل والد أن يسأل نفسه كم من بنت جاوزت العشرين، بل الخمسة والعشرين، بل الثلاثين ولم تنكح بعد.

فليسأل نفسه وليبحث عن الأسباب، والعيب أن نرى أخطاءنا موجودة ونسكت عنها، فهناك أسباب موجودة، وعلينا أن ننبه الناس، وأن نكثر من هذه الخطب التي تُبيّن للناس هذا الخطأ الفادح؛ فإن كثرة الفواحش والمنكرات هي بسبب كثرة المطلقات والمرملات والعوانس من الأبكار اللاتي لا يحصى عددهن، وقد ذكر لي أن في بعض المدن مالا يقل عن أربعين ألف بنت عانس، والسبب في هذا تكاليف المهر التي ذكرناها، وهي عامل كبير جداً أثرت على كثير من الناس.

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح الأحوال، وأن يلطف بنا في العاقبة والمآل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>