للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حكم قول: أنتِ عليّ حرام أو كالميتة والدم

قوله: [أو أنتِ عليّ حرام].

هذه الكلمة اختلف العلماء رحمهم الله فيها، وهذه المسألة فيها ما لا يقل عن عشرة أقوال لأهل العلم رحمهم الله، وكان يحكي بعض العلماء أن هذه المسألة بلغت عشرين قولاً من كلام السلف والخلف رحمهم الله، وهي قول الرجل لامرأته: أنتِ عليّ حرام، أو أنتِ مني حرام.

أو: أنتِ لي حرام.

وبعضهم يلحق بها: أنتِ الحرام، وحرمتكِ، وأنتِ محرمة، وعليّ الحرام منكِ، ونحو ذلك.

فهذه الألفاظ اخُتلف فيها، فبعض العلماء يقول: توجب الطلاق.

ثم اختلفوا على أقوال: فمنهم من يقول: تقع ثلاث تطليقات.

ويروى هذا عن بعض السلف منهم عمر رضي الله عنه وأرضاه، ومنهم من يقول: طلقة بائنة.

ومنهم من يقول: طلقتان، ومنهم من يقول: طلقة إن نوى فيها.

ثم قال آخرون: إنه ليس بطلاق، وإنما هو لغو لا شيء على قائله وبه قالت الظاهرية وغيرهم.

ومنهم من يقول: إنه يمين يوجب الكفارة.

وهذا مأثور عن حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وغيره.

ومنهم من يقول: إنه إذا قال لها: أنتِ عليّ حرام فظهار، ويروى عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، واختار هذا القول الإمام أحمد بن حنبل.

والحقيقة أن هذه المسألة ذكرنا الأقوال فيها والأدلة والمناقشة والردود في باب الطلاق، والصحيح في هذه المسألة أن هذا الكلام ليس بظهار مطلقاً، وإنما العبرة بالنية، فإن قال: أنتِ عليّ حرام قاصداً الطلاق فطلاق، ثم ينظر في قصده إن قصد الطلقة فطلقة، وإن قصد الطلقتين فطلقتين والثلاث فثلاث، إلا أن فيه وجهاً أن الطلقة تكون بائنة كطلقة الفسخ.

وأما إذا قال: قصدت الظِهار فإنه ظهار، وإذا قال: لم أقصد شيئاً فالأشبه والأفضل أنه يكفر كفارة يمين خروجاً من الخلاف، وهناك وجه بأنه لا شيء عليه؛ لأن الله لم يحرمها؛ لأنه إذا قال: أنتِ عليّ حرام لم يوافق الأصل الشرعي، فليست بحرام حقيقة ولا شرعاً.

فهذا ما يقال في قوله: أنتِ عليّ حرام، ويستوي في هذا: أنتِ حرام، وأنتِ الحرام، وحرمتكِ، وأنتِ عليّ أو مني أو معي.

قال: [أو كالميتة والدم].

قوله: [أو كالميتة] إذا قال لها: أنتِ عليّ كالميتة، فهذه ألحقوها بقوله: أنتِ عليّ حرام، والحنابلة قياساً يرون قوله: أنتِ الحرام ظهاراً، وعندهم قول الصحابي حجة، فلما أفتى عثمان بأنه ظهار قالوا: إن هذا يدل على أن لفظ التحريم في الأصل يقتضي الظِهار، فإذا ذكر محرماً كالميتة والخنزير والخمر فشبهها به يكون في حكم الظِهار.

ومنهم من يقصر على الميتة.

لكن الصحيح ما ذكرناه، فإذا قال لها: أنتِ كالميتة يسأل عن نيته.

وعند المالكية رحمهم الله إذا قال لها: أنتِ كالميتة فإنه طلاق بالثلاث فتحرم عليه.

وهذا قول قوي جداً، وهو أنها تكون محرمة عليه بالثلاث، بخلاف قوله: أنتِ عليّ حرام، أما أنتِ عليّ حرام فتدخل في الاحتمالات؛ لأن الله قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم:١] ثم قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:٢]، لكن إذا قال لها: أنتِ كالميتة، فهذا الوجه في تشبيهه إذا قصد به الظِهار فظهار، وإذا قصد به الطلاق فطلاق، لكنه أشبه ما يكون أن يقع ثلاثاً.

لكن لو قال لامرأته: أنتِ عليّ كالميتة فهنا أمر ينبغي التنبيه عليه، وهو أن القاضي يعزره ويؤدبه، فإذا رأى تأديبه بالسجن سجنه، أو بالضرب ضربه، أو بالتوبيخ وبخه، فلابد أن يزجره؛ لأن هذا مما يوجب التعزير عند العلماء رحمهم الله.

قوله: [والدم] كذلك لو قال لها: أنتِ عليّ كالدم.

قوله: [فهو مظاهر] أي: كل ما تقدم يحكم بكونه مظاهراً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>