للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[وطء الجارية في الفرج أو دونه موجب لثبوت النسب]

قال المصنف رحمه الله: [ومن اعترف بوطء أمته في الفرج أو دونه فولدت لنصف سنة أو أزيد لحقه ولدها].

بعد ما فرغ من بيان الأصول العامة شرع في مسألة التسري، وهو وطء الجارية، فالولد يلتحق بالوطء سواءً كان في نكاح وزواج، أو كان في تسري، الذي هو وطء ملك اليمين، فالرجل إذا وطئ مملوكته وأنجبت فالولد ولده، أي: ينسب الولد إليه، وتكون هي أمه، وتعتق عليه بعد موته، كما هو معلوم في الأصول الشرعية.

فالوطء الذي يكون للجارية موجب لثبوت النسب، وهذا قرره النبي صلى الله عليه وسلم في قضية عبد بن زمعة واختصام سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كما في الصحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل تابع الولد للسيد، وهذا مبني على قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش)، فقوله: (الولد للفراش) شمل الأمة والحرة، وبعبارة أخرى: الحديث يشمل الوطء في الزواج والوطء بملك اليمين؛ لأن قوله عليه الصلاة والسلام: (الولد للفراش) يثبت نسبة الولد للفراش، والفراش في الشريعة نوعان: فراش بنكاح، وهو في الزواج، وفراشٌ بملك اليمين، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون:٥ - ٦]، فجعل الفراش الشرعي المأذون به شرعاً على ضربين: فراش الزوجية {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} [المؤمنون:٦]، وفراش ملك اليمين {أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون:٦]، فلما قال: (الولد للفراش) أثبت الولد لكل فراش بناءً على الأصل، فإن كان فراشاً لنكاح نسب إليه، وإن كان فراشاً لوطء يمين نسب إليه.

فهنا لو أقر السيد أنه كان يطأ هذه الجارية وولدت على فراشه -وهي ما زالت في ملكه، وولدت في المدة المعتبرة بعد ستة أشهر من وطئه لها- نسب الولد إليه، هذا من حيث الأصل الشرعي لقوله عليه الصلاة والسلام: (الولد للفراش).

وقوله: (ومن اعترف): أي: أقر، (بوطء أمته في الفرج): الذي هو موضع الحرث، فإذا قال: إنه قد وطئها في فرجها الذي يكون منه الحرث، فالولد حينئذٍ ينسب له؛ لأن هذا مما يكون به ولد، وهو الأصل في الولد.

وقوله: (أو دونه) أي: دون الفرج؛ لأنه إذا وطئ دون الفرج احتمل أن يسري الماء إلى الفرج فتحمل، فقد ينزل خارج الفرج فينزل الماء إلى الفرج وتحمل، فالشبهه قائمة، ولذلك إذا كانت هناك دلائل يحتمل أن الحمل منه فإنه حينئذٍ لا إشكال.

وقوله: (فولدت لنصف سنة): من الوطء، لكن لو ولدت قبل نصف السنة -الذي هو الستة أشهر-، فقد ذكرنا أنه لا ينسب إليه سواء كان في وطء ملك اليمين أو غيرها، فمقصود المصنف: فولدت في ستة أشهر.

وقوله: (أو أزيد): ولدت بعد سبعة أشهر أو ثمانية أشهر، أو تسعة أشهر، أو عشرة أشهر؛ لأنه مستصحب حكم الأصل، فالحال كما تعلمون يطول ويقصر.

وقوله: (لحقه ولدها) أي: لحقه ذلك الحمل والذي ولدته، فإذا ولدت فإنه ينسب إليه ذلك الولد سواءً ولدت ولداً أو توأمين، كلهم ينسبون إلى ذلك الفراش؛ لأن الفراش منصوص حكمه بقوله عليه الصلاة والسلام: (الولد للفراش).

<<  <  ج:
ص:  >  >>