للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم تناول الأدوية التي تزيد في الإخصاب]

السؤال

هناك بعض الأدوية تزيد من الإخصاب وإمكانية الحمل، فهل يجوز تناولها رغبة في الحمل؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: فالمسائل الطبية النازلة الجديدة تحتاج إلى أن لا يفتى فيها إلا بعد الجلوس مع الأطباء ومن لهم خبرة في هذه المسائل؛ لمعرفة حقيقتها.

مثلاً: الأدوية التي تستعمل للإخصاب هل هناك بديل، وهل هناك ضرر يترتب على هذا الدواء؟ لأنه قد تكون هناك مضاعفات، وهل إذا استخدم هذا الدواء لا تتضرر المرأة، وهل إذا حصل حمل لا يتضرر الحمل ولا تنتج آثار سيئة على الحمل؟ هذه الأمور والتساؤلات كلها لا يجيب عنها إلا الأطباء المختصون، وليس كل طبيب يصلح لأن يأتمنه العالم أو يسأله عن هذه المسائل، ففي بعض الأحيان يكون الطبيب عنده تحمس لحل الشيء أو تحليل الشيء، فإذا كان عنده تحمس فشهادته شهادة متهم، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين) الظنين في لغة العرب المتهم كما قال تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير:٢٤]، وفي قراءة ((بظنين) والعلماء عندما ذكروا الشهادة قالوا: إذا كان عنده حرص على الشهادة ويشهد قبل أن يستشهد -كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم- لا تقبل شهادته، ولذلك في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، قال: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، ثم قال: ثم يأتي أقوام يشهدون ولم يستشهدوا) فهذا يدل على أنه حرص على الشهادة، وهذا موجب للتهمة في شهادته، فالذي يحرص على تحليل الأشياء متهم؛ لأن له مصلحة في تحليله، أو يريد أن يقنع الناس حتى يتعالجوا عنده، فمثل هذا لا تقبل شهادته؛ لأنها محل حرص على التحليل وسيؤثر هذا الحرص على بيان السلبيات، وسيؤثر هذا الحرص على بيان المضاعفات، وكشف حقيقة الشيء المسئول عنه، ولذلك إذا بين الطبيب حقيقة الدواء، أو حقيقة الطريقة، أو حقيقة الأمر الذي يسأل عنه حينئذٍ تنكشف الأمور ويمكن للعالم أن يفتي بالحل والتحريم.

فهذه الأدوية من حيث الأصل مشروعة لتكثير سواد الأمة، والوسائل تأخذ حكم مقاصدها، فإذا كان لا يستطيع أن ينجب أو عنده ضعف في الإنجاب، أو المرأة عندها ضعف في الإخصاب والإنجاب فتعاطت الأدوية من أجل أن تنشط فهذا في الأصل العام وسيلة لمشروع، والقاعدة: (أن الوسائل تأخذ حكم مقاصدها)، هذا من حيث الأصل العام.

لكن، ما طبيعة هذه الأدوية، وما هي الطريقة التي يتم بها استخدام هذا العلاج.

مثلاً: الرجال لهم وضع، والنساء لهن وضع، فالنساء قد يكشف في علاجها عن العورة، وقد تلمس العورة، وقد يولج في الفرج شيء، وهذا كلها محاذير شرعية لابد من النظر فيها، لكن الأصل العام من حيث تكثير سواد الأمة، وحصول الذرية فهو أمر سائغ شرعاً ولا إشكال فيه، لكن هذه الأدوية تحتاج إلى نظرة ومعرفة عن طريق الأطباء الذين لهم إلمام بهذا.

فالأصل يقتضي الجواز، ولكن قد يكون هذا النوع من الدواء لا يجوز استعماله، وهذا معروف، حتى مرض الرأس قد يكون علاجه بمسكن له مضاعفات، ومسكن ليس له مضاعافات، فنقول: هذا المسكن الذي له مضاعفات لا يجوز استخدامه مع وجود المسكن الذي لا مضاعفات فيه.

فهل معنى ذلك أن علاج الرأس محرم؟ الجواب: لا.

إنما حرم تعاطي هذا النوع من الدواء لعلة، والإشكال أن بعض الفتاوى تنظر إلى الأصل العام، والإطار العام دون النظر إلى الحقيقة، والسبب في هذا عدم الرجوع إلى الأطباء وسؤال من عنده إلمام وخبرة.

والرجوع إلى الأطباء لا يكفي فيه أن ترجع إلى واحد أو اثنين، ولا يكفي أن ترجع إلى طبيب عنده علم نظري وليس عنده علم تطبيقي، فكلما كان الطبيب عنده علم نظري وتطبيقي وممارسة وتخصص فيما يسأل عنه، ومرور على الحالات المختلفة، كلما ذلك كان أجلى وأوضح.

وعلى كل حال فمن حيث الأصل العام: تعاطي الأسباب التي لا محذور فيها للإخصاب والإنجاب لا بأس به ولا حرج، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>