للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عدة من ارتفع حيضها وعلمت سببه]

قال رحمه الله: [وإن علمت ما رفعه من مرضٍ أو رضاع أو غيرهما فلا تزال في عدة حتى يعود الحيض] هذا النوع الثاني من النساء: من ارتفع حيضها وعلمت سبب الارتفاع كمرض، وقال لها الأطباء: إن الحيض انقطع عنك بسبب المرض، أو كان بسبب الرضاع، ففي هذه الحالة يحمل هذا النوع من النساء على العدة التي سبقت وتقدمت، فتعتد سنة كاملة، وبهذا قضى الصحابة -رضوان الله عليهم- أن المرأة إذا ارتفع حيضها وعلمت سبب ارتفاعه فإنها تبقى على حالها حتى يعود إليها الحيض، وبهذا قضى الصحابة.

فـ علقمة بن قيس رحمه الله -صاحب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه- كانت له زوجة فطلقها طلقة أو طلقتين، فحاضت حيضة أو حيضتين والشك من الراوي -والأثر عند مالك في الموطأ من طريقه، ورواه البيهقي بسندٍ صحيح- فحاضت حيضة أو حيضتين ثم ارتفع عنها الحيض، ثم بقيت سنة ونصف سنة، قيل: إنها توفيت بعد سبعة عشر شهراً، وقيل: بعد ثمانية عشر شهراً، ولم يعد إليها الحيض؛ لأنها كان عندها مرض، وعلمت السبب فحاضت الأولى ثم الحيضة الثانية وجاءها المرض فلم تحض الثالثة، وهذا لطفٌ من الله عز وجل، فلما لم تحض الثالثة توفيت قبل أن يعود إليها الحيض، فرفع أمره إلى عبد الله بن مسعود فورثه منها، وقال له: (حبس الله لك ميراثها).

يعني: الله عز وجل حبس عنها الحيض؛ لأنها لو حاضت الثالثة ما ورث منها شيئاً؛ لأنها تخرج بها من العدة، والرواية صحيحة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وبناءً على ذلك: إذا ارتفع الحيض بمرض وعلمت السبب -كما ذكر المصنف رحمه الله- تبقى حتى يزول هذا السبب وترجع إلى الأصل؛ لأن هذه ليست يائسة من الحيض، بل هي ذات حيضٍ جاءها عذر أو طارئ، فتبقى على الأصل من إلزامها بالحيض حتى يعود إليها حيضها ولو مكثت سنتين أو ثلاثاً فإنها تبقى على عدتها، وهي في حكم المعتدة حتى يعود إليها الحيض وتتم العدة على الوجه المعتبر.

(فلا تزال في عدة حتى يعود الحيض وتعتد به أو تبلغ سن الإياس فتعتد عدته).

فيستمر الأمر معها حتى تدخل سن اليأس، وقد بينا قضية سن اليأس وهل له سن معين أو لا وبينا أن الصحيح أنه لا حد لليأس، وما دام أن دم الحيض يجري على المرأة فهي حائض، لكن لو انقطع فيما يشبه سن اليأس في غالب النساء أو في أترابها وقرائنها وكذلك أهل بيتها، ومعروف في بيتها أن النسوة اللاتي يبلغن سن خمس وخمسين عاماً ينقطع عنهن الحيض، فجلست تنتظر بعد المرض الذي أصابها ولم يزل المرض ودخلت في سن اليأس، فالغالب كالمحقق، والغالب: أن وضعها ووضع أهل بيتها وعادة أترابها أنها تكون آيسة؛ فحينئذٍ يحكم لها بعدة الإياس فتنتقل من عدة ذات الحيض إلى عدة ذات الإياس، وتلزم بالعدة ثلاثة أشهر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>