للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم دخول المرأة الحائض المسجد]

السؤال

كثير من الأخوات حريصات على حضور الدروس والمحاضرات التي تقام في المساجد فهل يجوز للمرأة إذا جاءتها الحيضة أن تحضر الدرس والمحاضرات وتجلس عند الدرج أو عند موضع الأحذية -أكرمكم الله- وهي عند مصلى النساء.

أي: داخل الباب من جهة المصلى أو من جهة المسجد؟

الجواب

لا شك أن المرأة المؤمنة التي تطلب العلم وتريد وجه الله سبحانه وتعالى، وتخاف الله عز وجل في خروجها لطلب العلم بعيداً عن الفتنة، لا شك أن الله أراد بها خيراً، وخير ما يوصى به النسوة اللاتي وفقهن الله لحضور مجالس العلم: الإخلاص لله عز وجل، والبعد عن الفتنة ما أمكن، فإذا أراد الله عز وجل أن يعظم الأجر والمثوبة لطالبة العلم، وفقها إلى هذين الأصلين العظيمين: إخلاص لوجه الله، وبعد عن الفتنة في القول والعمل.

وأما ما ورد السؤال عنه من دخول المرأة الحائض المسجد، فإن المرأة الحائض لا تدخل إلى المسجد إذا كانت حال حيضها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عائشة: (ناوليني الخمرة، فقالت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست في يدك)، فدل على أن الأصل عدم دخول الحائض، بدليل أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما قال لها: (ناوليني الخمرة؛ قالت: إني حائض)، فامتنعت من الدخول واعتذرت بكونها حائضاً، فدل على أن هذا كان معمولاً به في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها لا تنشئ الأحكام من عندها، وقد قال لها عليه الصلاة والسلام ذلك صريحاً في قوله: (اصنعي ما يصنع الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت) حينما حاضت في حجة الوداع، فالذي على المرأة أن تلتزم به: أن لا تدخل مسجداً إذا كانت حائضة والله يأجرها ويكتب ثوابها، فوالله ما من مؤمنة حرصت على مجلس علم، وما من مؤمن حرص على مجلس علم، وواظب عليه ثم جاءه العذر إلا كتب الله أجره، ولو مضى في العذر سنوات، وهذه فائدة المداومة على الطاعة، فكم من رجل مشلول مقعد، تكتب له ملايين الحسنات في اليوم، لأنه نشأ نشأة صالحة، وجاءته تلك المصيبة والنقمة والبلية، وهو على طاعة الله ومرضاته، فلو أنه حصل لك أي ظرف أو أي عذر كتب أجرك كاملاً، فالشخص يصلي ويقوم ويتهجد بالليل فيأتيه العذر، فإذا جاءه مرض أو سافر واتبع السنة وترك فيها القيام، كتب أجر ما يقوم به، ولو كان يختم القرآن كل ثلاث ليال، كتب الله له أجر ختم القرآن إذا سافر ثلاثة أيام وكأنه مقيم حاضر، فإنه يعامل الكريم سبحانه وتعالى، ومن أكرم من الله سبحانه وتعالى؟ الذي لا تنفد خزائنه، ويده سحاء الليل والنهار، لا تغيضها نفقة جل جلاله وتقدست أسماؤه، ومع هذا كله حتى إن كرمه جعله لكبير السن الذي كان في شبابه محافظاً على الطاعة، ثم جاءه الشيب فإنه يكتب الله له الأجر كاملاً غير منقوص، فإن كان في شبابه يجلس مجالس الذكر ثم لما كبر ضعف عنها، كتب له الله أجر مجالس الذكر، ولو كان في أيام شبابه حريصاً على أن يذهب للرحم بنفسه، حريصاً على أن يفرج كرباتهم، حريصاً على أن يقف مع المكروبين والمنكوبين، ويذهب بنفسه للإصلاح بين الناس، كتب الله له الأجور، فما وقف أحد على بابه، وسأله المسألة، فقال له: والهل لو قدرت لفعلت، إلا كتب الله له الأجر كاملاً، الأول للعمل، والثاني للعذر، قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين:٦]، يعني: غير منقطع.

قال بعض أهل العلم في تفسيرها -وهو قول طائفة من المفسرين- (لهم أجر غير ممنون) أي: أن الله يكتب لهم أجر الشباب تاماً كاملاً غير منقطع، فلو عمر مائة سنة وكان خلال الخمسين سنة الأخيرة، عاجزاً ولو كان مشلولاً مقعداً فيكتب له الأجر تاماً غير منقوص، وهذا فضل عظيم، بفضل الله والمواظبة على الطاعة، وليس هناك أكرم منه جل جلاله، ولا أتم رحمة بخلقه، ولذلك وصف نفسه سبحانه فقال تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج:١٤]،الود: خالص الحب، تقول: يا فلان! إني أودك، ليس كقولك: إني أحبك، فالود خالص الحب، فالله يتودد لعباده سبحانه وتعالى، وهو أغنى ما يكون وهم أفقر ما يكونون إليه، فمن وده ولطفه ومحبته لخلقه، وإحسانه لهم: أن العبد ما حافظ على خصلة من خصال الخير إلا أدركها، وهذه فائدة المحافظة على السنة والأذكار.

قال بعض العلماء: حتى إن الرجل يكون على طاعة وخير ثم يسري به الجنون فجأة، فيزول عقله -يأتيه حادث فيصبح مجنوناً- فيكتب له الأجر كاملاً، وقالوا -والعياذ بالله-: يخشى على من كان على المعاصي ثم التزم بالدين، وما حال بينه وبين المعصية إلا العذر، لكن الصحيح: أنه لا يأثم، وهناك أشياء يسمونها التقديرات ذكر منها العز بن عبد السلام في قواعد: (التقدير تنزيل المعدوم منزلة الموجود والموجود منزلة المعدوم)، قالوا: المجنون الآن ليس بمسلم لأنه لا يقدر أن يتلفظ بالشهادتين ولا يعرف، ولا يعقل، فقالوا: نحكم بإسلامه لأنه كان قبل جنونه مسلماً، فنزلنا المعدوم منزلة الموجود استصحاباً للأصل الذي كان عليه، ونقول: فلان صالح ولو أنه بعد جنونه وبعد سحره اقترف المعاصي، لأنه لا يشعر بنفسه، استصحاباً للأصل الذي عرف عنه، وكل هذا فضل وكرم من الله سبحانه وتعالى، فالمرأة الصالحة التي تحافظ -هذا محل الشاهد- على دروس العلم، لا تحضر المسجد في أيام الحيض، ولا يقولن أحدكم هذا تشديد عليها، فهذا حكم الشرع، والشارع لا يحكم إلا بحكم ترى في ظاهره الرحمة، فانظر إليها تجلس في قعر دارها ويكتب لها الأجر كاملاً، وفي هذه الحالة تجلس خارج المسجد عند باب المسجد وتسمع، لكن لا تدخل، ولها أن تدني رأسها وتصغي -لكن: أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن لا تذل ولا يذل طالب علم ولا طالبة علم إلا أعزه، وأن لا يهين نفسه في العلم إلا أكرمه.

وكان أحد العلماء لما وقف موقفاً ظاهره ذل لأجل طلب علم، قال: (ذل في مقام عز).

فطالبة العلم التي تأتي -كما ذكر في السؤال- عند الحذاء -وهذا شيء كبير جداً- وتجدها امرأة وابنة ناس لو سفك دمها ما أهانت نفسها، لكنها للعلم تهين نفسها، وتجد الرجل ابن أناس لكنه على أبواب العلماء يزاحم ويجلس ويذل، وليس للعالم ولكن لله فبخ بخ للمرأة الصالحة في التجارة الرائحة، الغنيمة الرابحة، وعند الله رائجة، ولا شك في عظم ثوابها وأجرها عند ربها سبحانه وتعالى، حينما تتحمل هذه المشاق، والمرأة أكثر شؤماً من الرجل، وعلى كل حال قد أغنى الله بوجود الأشرطة إذا حصل عذر، فالأمر قد يكون أيسر، فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم التوفيق للجميع، ويستثنى من هذه المسألة أن تكون هناك غرفة خارج المسجد، فإذا كانت هناك غرفة خارج المسجد إذا اقتطع جزء من المسجد، فهو جزء من المسجد -لكن لو أنها بنيت غرفة خارج المسجد، على أنها مكتبة، أو على أنها غرفة استراحة، أو على أنها غرفة ضيوف يستقبل فيها، والحفلات الخاصة تفعل فيها، ففي هذه الحالة يجوز للمرأة أن تدخل في هذا الملحق، وهو أرفق بالنساء، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>