للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ثبوت التحريم في الرضاع كما هو في النسب]

قال رحمه الله: [وولد من نسب لبنها إليه بحمل أو وطء] من نسب لبنها إليه هو زوجها، وعليه: فإنه يصبح والداً من الرضاعة، للراضع لبن امرأته الناتج عن الوطء والحمل منه، وبنوه يكونون إخوة للمرتضع.

فلو فرضنا أنه ارتضع من خديجة، وخديجة زوج لعبد الله، وحملت منه، فأنجبت محمداً، ثم بعد إنجابه ثاب اللبن، فجاء طفل رضيع وشرب من هذا اللبن، فهو ابن لهذا الرجل، ولو أن الرضيع كان أنثى-بنتاً- فإنها تصبح محرماً لهذا الرجل، لأنه أبٌ لها من الرضاع، وفي الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، أن أفلح أخي أبي القعيس رضي الله عنه وأرضاه، استأذن عليها، وكانت عائشة رضي الله عنها قد رضعت من امرأة أبي القعيس، فاستأذن أخوه أفلح، فلم تأذن له عائشة، وقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يارسول الله! إنما أرضعتني امرأته -ما أرضعني أبو القعيس - فقال عليه الصلاة والسلام: (ائذني له تربت يداك! إنه عمك من الرضاعة).

وهذا ما يسميه العلماء بلبن الفحل، أي: أن الرجل له تأثير في الرضاع، كما أن للمرأة تأثيراً، وهذا راجع إلى أن أصل المسألة هو: أن اللبن يثوب من ماء الرجل، ومن ماء المرأة.

فكما أنه في النسب يكون هناك اشتراك بين الرجل وبين المرأة، فكذلك أيضاً في الرضاع، يكون هناك اشتراك بين الرجل وبين المرأة.

فالرجل أب، والمرأة أم من الرضاعة.

ويسري ذلك إلى الأقرباء، ولذلك قال خطيب بني هوازن للنبي صلى الله عليه وسلم: يارسول الله! إن اللاتي في الحضار ما هن إلا عماتك وخالاتك من الرضاعة، فأثبت لبن الفحل، وأسراه كسريان النسب، وهذا مصداق قوله عليه الصلاة والسلام: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، ولأنه لو أخذ بالنسب لكان الرجل الذي وطئ أباً، والابن ابنه، والفروع التي شاركت هذا الأب في أصليه -كالأعمام والعمات- محارم، كذلك أيضاً في الرضاع محارم، فجميع من ينجبه هذا الرجل الذي ارتضع الرضيع لبنه يعتبر أخاً لهذا الرضيع.

ثم ننظر؛ إن كان هذا الذي أنجبه أنجبه من نفس المرأة التي ارتضع منها الرضيع؛ فهو أخ شقيق، وإن كان هذا الرجل له زوجة ثانية، فأنجبت أولاداً فهم أخوة من الرضاع لأب، ولو أن هذه المرأة تزوجت رجلاً قبل أو بعد الرضاعة، وأنجبت قبل أو بعد الرضاعة، فهم إخوة من الرضاع لأم.

فجرى في الرضاع ما يجري في النسب؛ فهناك أخ من الرضاع شقيق، وهناك أخ من الرضاع لأب، وهناك أخ من الرضاع لأم، والحكم كما هو سارٍ في حق المرأة، فهو سارٍ في حق الرجل، لأن تأثير اللبن مشترك بين الرجل وبين المرأة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>